اضغط زر تشغيل أغنية أم كلثوم : الف ليلة
ليلة ان صرت رجلاً آخــر
قِرَباً كان المطر ينهمر ,طرق على الباب , طرق خفيفً حذرً وكنت وحيداً , تلك الليلة ..حركة السيارات تفرغ حمولتها من الأسماك أمام باب جاري فجرا،لم تبدأ بعد.. مرتبك جاء صوت جاري تاجر الأسماك عبر الباب بصوت منخفض ((إنا بحاجة إليك)) . بضع خطوات تفصل دارينا , كان الزقاق ضيقاً بيوته قليلة , وقبل إن أعرف مايريد , أغلق الباب خلفنا , تعثرت بشيء ما , ترنحت ,أعتذر , وعلى عجل مدّ رأسه , واستطلع الزقاق .. أغلق الباب بالمفتاح ((أطمئن ,ليس في الدار سوانا، سفرتهم )) .((وأنا أيضاً , أعطيتهم إجازة , أردت ان اسهر وحدي)) علقت.
كان ضئيل الجسم ,قذر الملابس كعادته , ملأت رائحة إبطيه انفي ,رثيت لزوجته. اً ((أكرهك, أيها البخيل )) كنت أحياناً أسمعها تصيح , ثم تروح تبكي ، تئن كقطة جريحة , .((تعال ,قال لي هامساً ,وقادني الى غرفةٍ مهجورة ,فتح الباب , دخلنا فأغلقه بالمفتاح ..أضاء النور , حاولت ان أفهم شيئاً , لكن صرير الباب أربكني .
_ماذا تريد فعله ؟, صحت .
_لاشيء , ستعرف بعد قليل ..
جلس جنبي على السرير الحديدي الوحيد في الغرفة , أقترب مني , وضع يده على ركبتي ..قرب السرير , كانت سكين !
-هل تحفظ السر ؟.
- ليس كل سر.
- سر ينفعني ولا يضرك .
- أطمئن .قلت بحذر .
سكت قليلاً .فكرت ,بما ينويه ، أيكون هذا القذر شاذاً ؟. وان كان ,فمن أي الأصناف هو ؟. والله أقتله, قلت في نفسي.
– لم تجبني عن حفظ السر ؟.
– مادام سراً سيبقى سراً .
أستبشر ونهض , استدار صارت مؤخرته في حضني تقريباً , , تناول السكين.
- قابلني سمعته يقول .
زحزح السرير ,أزاح بضع بلاطات فبرزت حفرة كلحدٍ حفر بعناية وبحجم نصف تابوت , عروتا صندوق عتاد من مخلفات آخر حرب , برزتا..
- ساعدني .. وساعدته .. أخرجنا الصندوق , جذب زفرة ارتياح , نظر الي , ثم راح يحاول فتح الصندوق بالسكين . رائحة أعرفها , ملأت أنفي , هذه الرائحة , أشمها في مكان معين وفي وقت أنتظره طويلاً بصبر .
((آه , وأخيراً فتحته))قال .
ملأت الرائحة أنفي تماماً , ليست الرائحة فاجأتني , بل رزم من نقود ورقية من فئات شتى , كان قد لفها بكيس قمامة كبير ,. رفع رأسه .
- من أجل هذا دعوتك , فأنا لا أجيد العدّ ولم أدخل مدرسة مثلك, سمعت أنهم سيغيرون العملة قريباً ...
ذلك سمعته منه ,ولم أسمع المتبقي .
ورحنا نفرز النقود , نصنفها قبل العدّ , كان المبلغ كبيراً .
تعبت , وفي الحقيقة , لم انتبهً للعدّ , .. عند زاوية في الغرفة , وقفت زوجتي , ((غداً يرمي أثاثناً في الشارع هذا السماك وأنت تضحك , تهديني بيتاً من مكعبات ,هل جننت ؟))صرخت بي , تكومت , ثم راحت تنشج قبل ليلة .
كان يرقبني , انه مسلح , وان أخفى سلاحه خمنت , ورحت أعد الرزمة , أنا ولها له, يضعها برفق , في كيس القمامة , الذي أستقر في الصندوق.
((هل يعرف أحد بهذه النقود ؟)) سألته,
((لاأحد غيرك)) . أجابني باقتضاب , (( حسناً فعلت)) رحت أشغله بالرزم , لم تكن مضبوطة ...و لم يكن العدّ يعنيني .. أشياء كثيرة راحت تصطرع بداخلي , مثل , قيم , عوز, قناعة , أثاثي المرمي وسط الشارع , صراخ أطفالي , ذلي بباب المصرف انتظر مبلغ تقاعدي الزهيد.،أفكار مخيفة مرعبة. رائحة هذا النتن أثارتني ,رزم النقود التي سيدفنها في المصرف , حركت في أعماقي غريزة لم أعهدها .. أحسست أن أظافري طالت ، صارت مخالبا و أسناني أنياباً , نتانته أثارت فيّ أحاسيس مقززة , رائحة فمه بدت لي رائحة فم حيوان يعيش على الأشلاء , صرنا كمصاصي دماء في غرفة مغلقة , .
سأبقر بطنه قبل أن يطلق رصاصة واحدة قلت, وباختصار صرت رجلاً آخر ..
بسرعة لا أستطيع تقديرها , جالت عيناي بين النقود وجسمه الضئيل والسكين الملقاة قريباً مني , , وبأسرع سرعة , أغمدت السكين في بطنه حتى المقبض . نافورة دم انبثقت , أحسست بحرارة الدم على صدري . غطت قميصي فارتبكت .تعلق ني ألقى بنفسه عليّ , احتضنني , شق قميصي حتى الخصر وهو يقول بصوت خافت (( تغديت بي )) , ولفظ أنفاسه..
جمعت الرزم , عبأتها في كيس القمامة , ألقيت نظرة على الزقاق ,
كان خاليا يلفه ظلام والمطر يهطل . ..
حملت الكيس , أمام بابنا وضعته , ورحت أبحث عن مفتاح دارنا , فلم أجده, كنت مرتبكاً .. أين وضعته؟.
هل سقط قرب الضحية ؟.. كدت أجن ,مستحيل ،لا لا و .. آخ، ضربة من الخلف عاجلتني , شعرت أن رأسي انفجرت, ولم أعد أرى شيئاً .فقد.أغمي علي .
(( ماذا جرى؟)) سألني أحد الجيران , كان الناس قد تجمعوا حولي ,أصواتهم اختلطت بصوت المؤذن في المسجد القريب .
دم يغطي قميصي حتى الخصر , دم يغطي ظهري , يسيل لزجاً بلا انقطاع .. أحدهم , راح يمسح الدم عن ظهري .
(( الضربة من الخلف ، الدم من الأمام ،كيف هذا؟ من شق قميصه ؟} تساءل صبي.
. ((ليس في بطنه جرح)) قال آخر.
((من أين جاء إذن ؟)) عقب ثالث متسائلاً .
نظرت نحو الباب .. كان باب جاري مفتوحاً , فأغميّ عليّ من جديد ..
كان يحدثني , يصف ما حدث وصفاً دقيقاً كأنه يستحضره ,كنا وحيدين في القفص الحديدي وكان الطريق طويلا .. بين حين وآخر ينظر الأصفاد التي تكبلني , كانت ثقيلة.انهى حكايته .رفع رأسه وقال .وهو يشعل لفافة تبغ رخيص . .
- سمعت قصتي , والآن قصتك , هل قتلت أحداً، سرقت؟ دخن . وناولني لفافة ,
- لم أقتل ً ولم أسرق ,
- ماذا فعلت أذن؟.
-اقتنيت كتبا ممنوعة , تلك كانت جريمتي ..ً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق