الأحد، 15 مارس 2015

( لؤلؤة فلسطين )..رؤية نقدية بقلم الشاعروالكاتب المسرحى ناجى عبد المنعم

أضغط زر تشغيل النشيد الوطنى الفلسطينى : فدائى



( لؤلؤة فلسطين )

‏الشاعر ناجى عبد المنعم ‏‎
منطقة اللامنطق وتباين الأضداد فى شعر هتاف عريقات
رؤية نقدية بقلم
الشاعروالكاتب المسرحى
نـــــــاجى عبد المنعــــــم

" إن حكومة صاحب الجلالة ترى بعين العطف تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهَم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص مع الطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو الحقوق و السياسي التي يتمتع بها اليهود في أي بلد آخر. "
بهذه الكلمات المسمومة التى بعث بها آرثر جيمس بولفور الى اللورد ليونيل وولتر دى روتشيلد تصدع الوطن العربى وغُرز خنجرا فى لؤلؤته الغراء فلسطين وبدأ الصراع العربى الاسرائيلى معاركه من أجل تحقيق حلم اليهود باقامة وطن قومى لهم استقاءا من تاريخ أسفار موسى الخمسة ( التكوين – الحروج – العدد – التثنية - اللاويين ) أسموه أرض المعاد ويمتد من الفرات شرقا حتى النيل غربا وأصبحت الحرب حربا دينية مقدسة لا حرب حدود جغرافية واستيطان عسكرى وسياسى .

وكان ذلك بعد اتفاقية الأمير فيصل ممثل ملك الحجاز مع حاييم وازيزمان الصهيوني وأول رئيس لدولة اسرائيل التي وقعت عام 1915، وتم اعتمادها في اتفاقية باريس عام 1919 لتطبيق وعد بلفور.

ومن ذلك اليوم حمى وطيس المعارك العربية الاسرائيلية وأفرزت العديد من العباقرة الأفذاذ الذين وضعوا بصماتهم على حائط المشهد الابداعى بروائعهم الابداعية التى تصف وتسجل تلك المعارك تحت شعار استرداد الهوية والكرامة العربية فى صورة تحرير الاراضى الفلسطينية وعلى رأسهم محمود درويش وسميح القاسم وناجى العلى وغيرهم الكثير والكثير وسجل التاريخ بطولات شعبية لتلاميذ فلسطين الذين عبأوا حقائبهم بالحجارة بدلا من الكتب لمواجة اقوى اسلحة جيش الدفاع.

وبين ايدينا اليوم الشاعرة هتاف عريقات وهى شاعرة فلسطينية النشأة والمولد منتمية لفلسطين وللكيان العربى ايما انتماء ورغم انها تقيم بمعقل الامبريالية العالمية التى تستهدف ثروات العرب الا ان ذلك لم يؤثر فى شخصيتها وانتمائها واحلامها ومن اقوالها :
" أنا أنثي .. أحلق في السماء نجمة تضئ أريد أن أعيش في عيون الناس أريد أن أزرع فكري وإسمي داخل وخارج العالم مع الرياح أثور ..أعانق الغيوم أنثر حروفي لمن يفهمني لا أريد من يرفع ليا السيوف لأنني انثر أعطر الحروف في زمان انتهت فيه أجمل العهود " 
فهى شخصية متفائلة جدا واقعية وحالمة ايضا ثورية الى ابعد الحدود وربما يرجع هذا الى عملها كصحفية بالاهرام ومستشارا اعلامية لجمعية المنتجين العرب بالتلفاز ورغم اننى متابع جيد لكل اعمالها منذ فترة بعيدة الا اننى قرات لها نصا رائعا يصف المشهد السياسى بقتامته بشكل رائع وهذا النص بين ايدينا لنتعرف اكثر على رؤى الشاعرة هتاف عريقات:
أنا لؤلؤة من فلســـــــــطين …..اسم من أسماء بناتها وأرضها …؟؟"
أنا جرح نسائي عميق ..ليس له بـــدايه ولا نهاية …؟أنا وردة سوداء في
أرض فلسطين الخضراء…كتبت اسمي في قائمتها …لكن طحنتها الرياح
وحرارة الشمس ….
غزالة من بين الغزلات التي ولدت نعشق أرضها ……..
تتمنــــي الموت علي ارضها مجهولة تلتف في رداء الشهيد والمناظلين …قصيده
ممنوعة .. كذرة رمل في ضياع مع غربة ورياح …اسير ابحث عن شجرة
الزيتون ..؟ عن غصن أخضر لأحمله بيدي فلا أري حولي الا الدماء
وأمهات تستحق التقديس ..ورجال وشباب يفتخر فيهم الدهر والأرض أنا
امرأة مقهورة كشجرة مكسوره … مع انني واثقه من نفسي …ومن
شعبي ..مؤمنة بعقلي لكن يرفضني القدر والسماء …؟ يقال انني ذكية
لكن للاسف يمنعوني من الكلام والتفكير ..؟
انا من الارض المقدسه فلسطين ….من أرض الشهداء ……
مـــــن أرض الجبـــــاريــــن ……
…أنا لؤلؤة مغلقه ….أذبح كل يوم الف مرة من دماء الشهداء في وطني
فكم حلمت أن أعود اليها..لكنهم يكسرون أجنحتي فأصبح ذبيحة
للسكوت ….كبريائي يخاف من كبريائي وأنوثتي تخاف من أنوثتي…
وعيوني تخاف من النظر لـــــوطنـــي ….وقلبي مختوم بالشمع
لايدخله الهواء ….يسكنــــــــــه الألــــــــم والحيـــــاء ….
…لانني أحتاج الي أكسجين ارضي ..اريد ان اتحدي القدر وانــــا اجاري
الرياح والعواصف …أريد ان يفهمني شعبي وأهلي ليكبر عندي الحلم
…لتزيد اشجار الزيتون …ليأتي حمام السلام …أريد ان ينقلب عالمي
أريد من يقف معي لاقول كلمة حق في بلدي في وطـــني ..اريد ان
أهرب من خيانة الــــرؤســـــــاء
أريد ان اصرخ باعلي صوتي اين انت يافلسطين..؟؟؟اريد ان
أغير جلدي بجلد الشهيد …أتمني أن يعود العمر الذي مضي دون نتيجة
..أريد أن أهرب من عالم النفاق والمخادعين …..ليعلم ابني ويصرخ

فلسطـــــــــــــــــــــــين فلسطيــــــــــــــن:
-----------------------------------------
اذا كانت المعلقات من الشعر الجاهلى كانت تبدأ ببكائية على الأطلال أو بسؤال استنكارى كما حدث فى طفرة الشعر الحديث او حوار بين الذات والذات فى المدارس الحداثية ومابعد الحداثة ايضا فقد استهلت هتاف عريقات قصيدتها بوصف دقيق لضعف المرأة لتستأثر بتعاطف الرأى العام العالمى مع قضيتها لأول وهلة ولتقيم اول توازنات النص بين القوة والضعف فى آن ولعل البناء الدرامى للنص اعتمد أساسا على كينونة المتناقضات والمتضادات وقد اتخذت هتاف عريقات للسياق الدرامى أربعة أركان أساسية تجمع بين الضدين دائما .

ولعل التقابل بين الضعف والقوة كان اول واهم هذه الاركان الاربعة اذ تقول هتاف عريقات:
( أنا جرح نسائى عميق )
وقد كشفت عن مواطن الضعف هنا ولو طبقنا نظرية التهكم والتوليد لسقراط فصدر البيت يتهكم بضعف الانثى ليولد نصرة الرجال وهو توفيق بين متعارضين قوى جدا.
ثم تنتقل الى الركن الثانى وهو الركن الزمانى فتقول ( ..ليس له بـــدايه ولا نهاية ).

فالجرح قد يكون له بداية لنكئه ونهاية لالتئمه ايضا وهذا المنطق اما جرح المرأة فى مضمار الحروب لا سيما حروب الكرامة لا بداية له وايضا لا نهاية له والنيل من كرامة الشعب الفلسطينى لن يفوز ابدا بمسامحة التاريح لمن تسببوا فى هذا الجرح فالتاريخ لا يغفر ابدا الاساءة للمرأة والأرض فكلاهما من المحرمات تاريخيا.

ثم نتتقل الى الركن الثالث من اركان السياق الدرامى وهو الركن اللونى:
ولعل المدارس الحديثة تهتم اكثر بطبيعة ومدلولات الالوان فى النص الابداعى لما له عظيم الأثر فى طلاء الجو النفسى للنص بما ينعكس عليه من مكنونات المبدع ذاته فتقول هتاف:
" أنا وردة سوداء في
أرض فلسطين الخضراء "
والتعارض بين اللونين يكثف فكر المبدعة تماما اذ انها قامت بمنطقة اللامنطق وتقابل اللونين الاسود المتمثل فى الوردة – علما بأنه من الشائع لدى العامة انه لا يوجد وردا أسودا – وبين اللون الاخضر الذى يميز ارض الزيتون – باعتبار ماكان قبل الاحتلال الاسرائيلى لها وباعتبار ماسيكون عندما يرحل عنها العدو المغتصب.

وتنهى الشاعرة هتاف عريقات استعراض الاركان الاربعة لتكتمل رؤيتها لمنظومتها الشعرية فى سياق درامى بديع بالركن الاخير وهو ركن االقوة والتضاد بين قوة العزيمة والارادة وقوى الطبيعة المتمقلة فى قوة حريق الشمس وسرعة الرياح التى تعمم الاشعة فى سماء الوطن فتلهب كل ذراته فتقول الشاعرة:

" …كتبت اسمي في قائمتها …لكن طحنتها الرياح
وحرارة الشمس " لتكتمل بذلك اركان التضاد والتقابل فى منظومتها
ثم تنتقل الى تضاد اخر من نوع جديد يميل الى المنظومات الحداثية التى تحاكى الفلسفات المتباينة وعلمى المنطق والاجتماع فى توحد الاضداد فتقول الشاعرة:
" أنا لؤلؤة مغلقه ….أذبح كل يوم الف مرة من دماء الشهداء في وطني
فكم حلمت أن أعود اليها..لكنهم يكسرون أجنحتي فأصبح ذبيحة
للسكوت ….كبريائي يخاف من كبريائي وأنوثتي تخاف من أنوثتي "


وقمة الروعة تتجسد فى هذه المقابلة الغير منطقية تماما ولكنها قامت بمنطقة اللامنطق ومعقولية اللامعقول فتقول :



" أنا لؤلؤة مغلقه ….أذبح كل يوم الف مرة من دماء الشهداء في وطني
فكم حلمت أن أعود اليها..لكنهم يكسرون أجنحتي فأصبح ذبيحة
للسكوت ….كبريائي يخاف من كبريائي وأنوثتي تخاف من أنوثتي " 
لتجعل التتابل بين كبريائى وكبريائى وانوثتى.
وانوثتى وتشابه المفردات لايعنى توحد المعنى والقصد ولكنها تركتها مطلقه ليتفاعل معها المتلقى العادى ويشترك فى العملية الابداعية.

ثم تضع الشاعرة هتاف عريقات خاتمة رائعة ثورية صارخة غير عابئة بمقص الرقيب ولا اى شىء آخر يقصف قلم المبدع وفى تقريرية بديعة ومباشرة واضحة فتقول:
" من يقف معي لاقول كلمة حق في بلدي في وطـــني ..اريد ان
اهرب من خيانة الــــرؤســـــــاء
أريد ان اصرخ باعلي صوتي اين انت يافلسطين..؟؟؟اريد ان
اغير جلدي بجلد الشهيد …اتمني ان يعود العمر الذي مضي دون نتيجة
..اريد ان اهرب من عالم النفاق والمخادعين …..ليعلم ابني ويصرخ
فلسطـــــــــــــــــــــــين فلسطيــــــــــــــن .
مخاطبة الرؤساء والمنوطين بالعمل والتحرير تستفزهم لتحرير الارض والشعب لتسقى ابنها الانتماء فيطلق فى حرية تامة وآمنة فلسطين فلسطين.

ولعلها توجه انذارا شديد اللهجة لتحويل مسار الابداع ليصب فى بوتقة واحدة لاسترداد الكرامة والهوية العربية بعيدا عن اللهو والغث من القول.

تحياتى للشاعرة هتاف عريقات لؤلؤة فلسطين فقد استمتعت بهذا النص ايما استمتاع.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق