السبت، 21 مارس 2015

(قصة قصيرة).. فلسطين .. الأرض .. الأم..بقلم الأديب المبدع /عبدالمجيد الديهـــى

اضغط زر تشغيل النشيد الوطنى الفلسطينى : فدائى




عبدالمجيد الديهــــــــــــى
(قصة قصيرة)
 فلسطين .. الأرض .. الأم
مهداة إلي روح شهيدالوطن الذي إغتالته أصابع الموساد
الشاعر/كمال ناصر:
 اسـتـرخي كمال علي المقعـد الوثيـر .. وعاد يقلب صفحات الكتاب الذي تراءت له فيه بالأمس القريب صورة الحبيبة .. فلسطين .. منقوشة علي صفحات الأوراق الصفراء الباهته .. صفحة .. إثنين .. ثلاثة .. وعادت صورة المسجد الأقصي .. من جديد .. تطـوف .. فوق الكلمات .. تناديه .. كمال كمال .. ابتلع ريقه بصعوبة .. أربـعة .. خمسة .. ستة .. وارتفعت كنيسة القيامة بمآذنها العالية المقامة علي مساحة قطاع مربع .. يشبه .. حجرة الجلوس في بيت العائلة الـقـديـم القابع في نهاية شارع صلاح الدين في الجهة الشرقية من حيّ الخـلـيل بأجراسها الضخمة ذات الصوت الشجي الرنان .. وهبطت تتهادي في غبـطـة وعلي إسـتـحياء فوق السطور وبين حـروف الكلمات .. رفع نظره عن الـورق .. وألقي بـبـصـره .. هناك .. فـوق الجـدار الصامت المـقابـل لفتحة باب حـجـرة الـفـنـدق التي يـسـكن فيها  والـمـصـبـوغ بدهان زيتي بلون أوراق أشجار الزيتون الخضراء .. وارتسمت نـفـس الـصـورة المنقوشة في داخله للحبيبة .. فلسطين .. أشاح بوجهه إلي الناحية الأخـري .. واغـروقـت عـيناه بالدموع .. كم أشهر مرت بل كم سنين .. وهو مازال حبيس سجن الـغـربـة .. بعيد عن أرض الوطن .. الأم فلسطين .. واختلطـت بـداخـلـه الأحـزان .. والأشـجـان .. قـام من فـوره ..  وامتدت يده في سرعة وتناولت المعطف المعلق فوق المشجب .. وابتلعت قدميه سلم الفندق الذي يسكن فيه .. والليل صديق حميم .. خاصة في فصل الشتاء .. ساعـاته طويلة .. أطول من نهار بؤنه .. لكنه ليّ ولأمثالي ميدان فـسيـح .. تـهـيـم فيه روحي شوقا لمعانقة الأوراق التي أجد فيها متنفسا رحبا عندما أخط عليها بعض الكلمات .. ولكن .. ما له اليوم صديق مـوحـش .. جذب بيده أكرة باب الفندق الداخلية المرسوم علي جزء بارز منها بـلـون الـذهـب الـخـالص .. نقوش .. تشبه الطلاسم السحرية لبلاد بابل بالعراق العربية .. وقـف واضعا يده جيب معطفه علي درجات السلم الرخامي الخارجي لباب الفندق .. مدة طويلة قضاها بعيدا عن أرض الوطن ولا يـدري هل يمهله الـقـدر مـرة أخـري لزيارة الأهل والأشقاء في مخيم اللاجئين المسمي .. جنيـن .. علي أرض فلسطين المحتلة .. هز رأسه متألما حزينا .. تذكر أنه حينما عاد ذات مرة إلي بلده قبل أن يوضع اسمه من ضمن المحرومين من الدخول إليها من قبل سلطات الإحتلال الصهيوني إلتقي بأبناء شقيقته .. الـشـيماء .. وجلس يحكي لهم قصصا كثيرة عن  بطولاته .. وكـفاحـه .. ضـد أبـنـاء الأفاعي .. أولاد صهيون .. حفدة القردة والخنازير .. تري هل تعلموا منها شيئا .. ابتسم في نفسه .. أكيد .. أكيد تـعـلـمـوا .. دا إبـن الوز .. عوام .. إنه لم ينسي عندما استيقظ من النوم  في صباح أحـد الأيام حيـنما سأله .. عدنان .. إبن شقيقته الشيماء عن كيفية المواجهة في ظل الـحـصـار الـمفروض .. والإمكانيات .. القليلة بل الأقل من القليلة من السلاح القديـم الـذي يشبه .. النبال .. التي تصاد بها الطيور الصغيرة التي تصبح في الفضـاء .. بـحـرية .. تحددها .. قذائف الرشاشات المتعددة الطلقات .. لجنود الإحتلال .. ساعتها .. لم يستطع العثور علي اجابة .. لكنه .. بخبرته .. أدرك أن نبت بذور .. الزرع .. له موعد وميعاد .. وعندما يشتد .. سوف يدق بأقـدامـه وجـه هؤلاء السفلة .. أبناء يهود .. فوق تراب الأرض التي إغتصبوها .. عنوة .. من أهلها .. وطرودهم منها .


 ظل واقفا لحظات مشدوها كتمثال صنع من الشمع بعد أن اشتعل الدم في عروقه .. كأنه آتون متقد .. وهو يتذكر لقاءه مع أبناء شقيقته الشيماء وحديثه معهم .. مرقت في الإتجاه الـمـقـابل للطريـق الـذي أمام الفندق  سيارة لونها .. أحمر قاني .. بلون شفق الشمس عند غروبها .. سرعتها الجنونية .. وضوء إنارتها الشديد .. نبهت ذهنه الشارد .. طوح جذعه الأعلي يمينا ويسارا .. وسار بخطي ثقيلة فوق الطوار بجوار الفندق .

 لم تكن لديه أدني فكرة عن أي اتجاه سـوف يـذهب .. ترك لقدميه الحرية في الإختيار .. لتحملانه .. إلي حيث تسير .. بـلا وجهه .. ونسمات الهواء البارد تداعب ياقة المعطف الصوف ذي اللون الكحلي الذي اشتراه خصيصا لفصل الشتاء الشديد البرد حيث توجد له بطانة داخلية سميكة من القماش ذي الوبرةالشبه حريرية التي تجعل جسده من الداخل أكثر دفئا .. حاول أن يوقظ بداخله الرغبة في الذهاب الي المنتدي الـفـكـري الذي تقيمه احدي  الجمعيات الأمريكية المعنية بالرفق بالحيـوان .. والتي تـشـرف عليه احدي المؤسسات النسائية في هذا البلد العربي الشقيق .. والذي كان قد دعيّ إليه بصفته أحد المهتمين بشئون الحياة وقضايا .. حقوق الإنسان والحيوان علي حد سواء .. ولكنه .. صرف تفكيره إلي الصوت الرخيم .. الهادئ .. الذي طاف بذاكرته لأرملة صديقة .. يوسف .. وهي تحثه علي أن يبقي علي وده القديم مع أبنائها .. وفاءا منه لصديـقـه .. يـوسـف .. الـذي إغتالته الأصـابــع  الخفية لجهاز .. الموساد الإسرائيلي .. في الظلام .. وهو في طريق عـودته ليلا من زيارة .. نوريهان .. إبنة شـقـيقـة .. ياسر .. عندما كان يعـودها وهي مريضة بالمستشفي الدولي الـواقـع علي الـضـفـة الشرقـية علي الـطـريق المؤدي الي مدينة .. اربد .. الـقـريبـة مـن الـحـدود الدولية .. الــمصطنعـة .. التي وضعها الإحتلال الأوربي الـغـربي .. لأرض الـعـرب .. قبل أن يرحل إلي بلاده ويعطي لأهلها شهادة .. الإستقلال الذاتي .. علي الـورق الفـاخر ذي اللون الفضي الناصع .

 راحت عيناه تحملقان في لاشيئ .. تطوف في شرود .. في وجوه كل من يقابله كأنه يبحث في وجوههم عن وجه صديقه .. يوسف .. من بين جموع الناس التي استهوتهم زوارق الإنكسار .. أمام الوافد الـجـديـد .. القادم من شتات الأرض .. والذي إتخذ من نجمة .. داود .. شعارا له .. فوق تراب وطنه الأم .. فلسطين ..حاول أن يقترب من فاتـريـنة إحـدي الـمـحـلات الـمـضـاءة بمصابيح ضوء إنارتها في لون الواح الثلج الأبـيـض .. الـذي يـشـبـه الـكفن .. والمعلق بداخلها دلايات نحاسية ذات شكل مربـع مـزخـرف .. بآيات قـرآنـية مكتوبة بخط كوفي بديع .. لكنه .. فوجئ بإحدي السيدات تدفعة من الخلف بسلتها التي قفز منها .. فوق قدميه .. قط .. له صـوت كصـوت ولولة النساء المكلومات .. علي أرض مخيمات اللاجئين .. في أرض فـلسـطـيـن المحتلة تراجع الي الوراء .. وفرك كـفـيـه في بـعـضهـما .. ونـظـر الي الـقـط .. الـذي ارتسمت ملامـحـه في عـيـنـيـه كملامح .. بن جـوريون .. وهو يلعق بلسانه الصغير .. في شراهة مألوفة .. فضلات عظام لحـم .. مـلقي بـجـوار الحائط في أحد الشوارع الـجـانبـية .. تبـسـم في نفسـه .. الـجـوع .. عـدو كافر .. لجمـيـع الـمـخـلـوقـات .. ومنهم هذا القط .. الذي تظهر عليه علامات الثراء لكن يـظهر أنه جـوعـان .. صـدرت عنه تنهيـدة .. طويلة .. حزينة .. وخرجت من بين شفتيه كلمات بصوت مرتفع .. تقـول .. الجـوع .. والضياع .. وجهان لعملة واحدة .. ذلك هو السر .. ذلك هو السر.

 أثارت كلماته .. هذه .. الـسـيـدة صاحبة السلة واكـتـسـي وجهها بعلامات الغضب .. والعجب .. في آن واحـد .. وبـحـركة مـصـطـنـعـة ادارت له ظهرها وسارت ناحـية الـقـط وهي تـنـادي عليه .. دودو .. دودو .. تـعـالي يا دودو.

 سلوك طبيعـي لمثل هذه النوعية من النساء .. في كل بلد عرب ..شقاوة وغواية .. وفـراغ ثقافي .. خالِِ من القيم الإيجابية .. التي تزرع في النفس الفكر المثمر البناء .. وروح الحب الحقيقي للعمل الوطني .

 تـرنـيـمـات سـريـعـة .. لحديث وصف .. لشخصية صاحبة السلة .. سمعها كمال .. كحديث هـم،س .. بين خلجاته .. كأنه طبيب نفساني .. متخصص في علـاج الـملـاحـيـس .. والـمـهـابـيـل .. والـحـكـمة .. تقتضي منه .. ترك  المكان .. والإستمرار في مـسايـرة تـضـارب الأفـكـار التي بـدأت تـدق فـوق رأسـه مـنـذ أن أمـسـكـت أصـابـعـه بكتاب .. تاريـخ الأمم .. وارتسمت فوق صفحاته .. وبين كلماته .. صورة الحبيبة .. فلسطين .. الأرض .. الأم .. لكل الأمم .

بقلم/عبدالمجيدالديّهي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق