الأربعاء، 8 يوليو 2015

( قصة قصيرة)..المرفأ الأخيــر ..الكاتبة المبدعــــــة فـــوز الكلابــى

( جريدة الشعر والشعراء)
رئيس التحرير
عبد الحميد الجمال
••••••••••••••••••••••
أغنية الرحلة لبهاء سلطان
••••••••••••••••••••••
•••••••••••••••••
••••••••••••

الكاتبة المبدعـــــــــــــــة
فـــوز الكلابــــــــــــــــــى
( Fawz Al-Kilabi )
••••••••••••••••••••••
( قصة قصيرة)
•••••••••••
المرفأ الأخيــر 
••••••••••••
(1 )
••••••••••••


رنّ هاتفي الجوال , مهاتفي لم يقل غير كلمة واحدة , ألان , ولاني كنت مستعدا لهذه ال - , ألان , فقد حملتُ حقيبتي الصغيرة وتوجهتُ الى المكان المتفق عليه , لا ادري كم سيجارة اشعلتُ واطفأتُ وأنا بانتظاره , وجوه الناس كانت تخيفني , ساقاي لم تعد تحملاني , ولا أدري ما السبب , أهو البرد أم الخوف الذي أنتابني عند رؤيتي لشرطي متوجها للمكان الذي أنا فيه , تظاهرت باني اتكلم في الهاتف , الى أن تأكدت بأنه لم يكن يقصدني ,تحسست الحقيبة ثم تذكرت اني أودعتُ النقود عند وسيط ثالث , ساعتان زحفت عليّ ونهشت فيّ , قبل أن أشعر بيده وهي تلامس كتفي طالبا مني أن أمشي معه ,كعطشان يمشي في صحراء ثم رأى واحة خضراء , كانت رؤيته بالنسبة لي , بادرته بالكلام كمحاولة مني لتخفيف حدة التوتر الذي تلبسني ..

••••••••••
- تأخرت علي !..
- عملنا ليس له مواعيد , اخبرتك بذلك , وهو مقرون بالاوضاع المناسبة , والأن أصعد .

••••••••••


لم أشعر الا وسيارة رصاصية اللون تقف ,وقبل أن أغلق الباب , مشت السيارة , لم أستطع أن أتبين وجه جليسي في المقعد الخلفي الا بعد أن ألقت مصابيح الشارع جزءأ من ضياءها على وجهه , التوتر هو القاسم المشترك بيني وبينه , التفتَ السائق ومرافقه الينا وبصوت واحد بادرونا .

••••••••••

- جاهزين ؟ .


••••••••••


وباشارة من رأسينا , ودون أن نتكلم أجبنا بنعم , وانطلقت بنا السيارة الى , المجهول .

••••••••••
(2)
••••••••••

التعب وحده هو الذي سمح لي بسرقة أغفاءة قصيرة قبل أن يوقظني مرافقي ليطلب مني ومن رفيقي الترجل من السيارة , وبعد أن استعدت وعيي سألته ..


••••••••••


- في أية مدينة نحن ؟ ..
- هذه ادرنة ..

••••••••••


الفجر زاد المدينة الغافية جمالا , صوت نافورة المياه المتزامن مع تغريد البلابل , نثر السحر على المكان , لكن الخوف القابع في داخلي منعني من التمتع باي شيء , وما زاد من قلقي رؤيتي للسائق ومرافقه وهما يتهامسان بعيدا عنا , وبعد أن أجرى اتصالا هاتفيا سريعا , طلب منا أن نتبعه , لنجد انفسنا داخل فندق صغير في أحد الازقة الضيقة للمدينة ..


••••••••••


- سنمكث هنا الى المساء ..
لم يزد عليها .. الى المساء , هذا يعني مزيدا من الانتظار بانتظاري .. 


••••••••••


قتلت الوقت وأنا أشاهد التلفاز مرة , واخرى بالوقوف في الشرفة , وثالثة بحرق السكائر , الى أن حل الظلام وحل معه الأمل عندما سمعت مرافقنا يطرق الباب ليطلب منا التخلص من أمتعتنا الثقيلة ليتسنى لنا المشي سريعا , لانه كما قال قد أصبحنا قريبين من الحدود البلغارية وكمحاولة منه لبث الطمأنينة فينا , قال ..
- لا تقلقوا , ساعات ونصل ..


••••••••••


وتحت جنح الليل , سرنا نحن الثلاثة لمدة تزيد على الساعة قبل أن ندخل غابة كبيرة , منظر الأشجار السوداء وصوت عواء الذئب , كان كافيا ليجعلني أظن أن هذه نهايتي وهذا هو موضع قبري , وعلى حين غفلة , توقف مرافقنا طالبا منا أن ننتظره لحين عودته من رحلة استكشافية ليتاكد من خلو المكان من الشرطة , وقبل أن ينهي كلامه , كان الظلام قد غيبه داخل عباءته , مرت الساعات سوداء ثقيلة , سمعت خلالها تنفس الأشجار وفحيح الأفاعي وهمس ألجان, الخوف الذي سيطر على الشاب الذي معي , ايقظ الشجاعة النائمة داخلي , وجعلني أتصرف بطريقة أكثر حكمة , عندما علمت أن مرافقنا قد غدر بنا وتركنا نواجه مصيرنا وحدنا نحو المجهول !.


••••••••••
(3)
••••••••••


في هذه اللحظة , أدركت كم هي صعبة لحظة اتخاذ قرار , تكون به مسؤولا ليس عن نفسك فقط بل عن الاخرين أيضا , وما زاد من صعوبة الأمر أننا كنا نواجه وضعا مصيريا يتعلق بمستقبل حياتنا , ولكن , ليست هناك خيارات عديدة أمامي , فالوضع لا يحتمل أي تأجيل أو تباطؤ , لذلك طلبت من الشاب الذي كان معي أن يتهيأ لنجد سبيلا لنخرج من هذه الغابة , لعلنا ندرك حدود دولة بلغاريا , الدولة التي ننشد أن نلجأ اليها , وهكذا انتهى بنا الأمر.


••••••••••


بقينا نسير ساعات , ولاني كنت مستمتع بدور القائد الذي فرضته عليه الظروف , فقد غيرت من اتجاهات سيرنا عد مرات , والمسكين كان يتبعني دون أن يعترض أو يشارك على الأقل في اتخاذ القرار , استغلنا الجوع واخذ يفتك بنا , لكن قلقنا , شغلنا عنه , فانتصرنا عليه , لم أدرك أن للصمت همسا الا في تلك اللحظات , مع صوت خشخشة الأوراق وهي تتكسر تحت أقدامنا , بدت كأن الطبيعة تعزف سمفونية رائعة , سمفونية الوجود , ولكن , نغمة غريبة دخيلة شوهت ألحان تلك السمفونية عندما سمعنا دوي اطلاقات نارية وأصوات رجال مخيفة وكلمات غير مفهومة تقترب منا , وبدون أن نتفق , ركضنا سوية علنا نجد مكانا يحمينا .


••••••••••


لهاثي المتسارع لم يمنعني من سماع كلمة اَه , وصوت سقوط شيء على الأرض , التفت , وهنا كانت المفاجأة بانتظاري , لم أجد أحدا , اقف وحدي , لا أدري لم شعرت بأن الغابة بدت أكبر , والظلام أشد كثافة وأشجارها الهرمة تسخر مني !


••••••••••


مرت عليّ لحظات شعرت بأنياب الخوف وهي تفترسني , لم ينقذني من وساوسي الا صوت الشاب وهو يناديني لأخلصه من الحفرة التي وقع فيها , صوته كان الأمل الذي أعاد الي لون الطبيعة , استلقيت على بطني ومددت له يدي , وبكل ما أملك من قوة سحبته الى الأعلى , وهو يشكرني , ابتسم , لأول مرة , حين أدرك أن الحياة منحته فرصة أخرى , ابتسم .


••••••••••


عاودنا المسير ثانية هذه المرة ونحن نتبع أنوار مصابيح بعيدة , ها نحن نقترب و نقترب , أكثر فأكثر , ومع اقترابنا , أخذ طعم الحياة يتغير , لون الليل أكثر جمالا , السماء أكثر حنانا .


••••••••••


أخيرا نحن الآن داخل حدود بلغاريا , الآن ، نحن بمأمن , رحلة المجهول انتهت .. لكن , ربما , رحلة الى مجهول آخر , قد بدأت . 


••••••••••
فوز الكلابي
••••••••••

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق