الجمعة، 24 يوليو 2015

الآن .. أنا حـى .. للكاتب المبدع / فرحات جنيدى

( جريدة الشعر والشعراء )
رئيس التحرير
عبد الحميد الجمال
••••••••••••••••••••••••••••••••••
اضغط أولا زر تشغيل أغنية شادية .. والله يازمن
••••••••••••••••••••••••••••••••••


بقلم المبدع / فرحات جنيدى
••••••••••••••••••••••••


الآن .. أنــــا حـــــــــــي

 •• ارتمت على الأرض فحاولت النهوض ففشلت صرخت بصوت مرتفع لكن لا أحد يسمع . إن البيت خال لا تسكنه غير أشباح الماضي البعيد بعض أشجار النخيل الميتة وبجوار الجذور عظام أناس كانوا يسكنون الأرض منذ آلاف السنين , علا صوتها أكثر فأكثر لكنه ينخفض أكثر وضعفت قوة الصوت من كثرة الصراخ وهي حزينة لا تدري ما تفعل . أمسكت بالأرض ودست يدها فى التراب ودموع عينيها تسبق صرختها المكبوتة , نزعت من على جسدها الثوب الأزرق القديم الممزق بصعوبة حتى أصبحت بدون ثوب وعيناها معلقتان نحو السماء ولسان قلبها يرجو العطاء والأمل في عينيها يرجو الخلاص وكلمات أم الزوج وإخوته تطرق باب عقلها كالرصاص وهي تدفع بأنفسها أمل المستقبل وحلم السنين.
•••
•• ما هذا ؟ لماذا يجري ؟ الغرف تظلم في قلب النهار ثم تضئ مرة أخرى والسماء يسطع فيها سهم النور ثم يختفي وسقف الغرفة من أغصان الذرة لا يستر من البريق والسقيع لا . لا ليس الآن لكن لا مانع فالأمر لله اخرج يا عمري اخرج يا أملي اخرج يا صبر السنين ربي ! ما هذا إني عاجزة عن شكرك أعطيتني بعد عام من الإنتظار .
•••
•• اصرخ يا طفلي أكثر إملأ الدنيا بصرختك أريدك أن تسمع كل الناس . ها أنا الآن أم أم أم أم أم لطفل لست بعقيم ولست بمشئوم اصرخ فإنني لم أتلذذ من صوتك بعد تعالى في حضني وارفع عن جسدك آلامي التى أحطت بها . أقبل وارفع صوتك من زغاريدي ليعلم سكان القبور جيراني إني أم ويعلم جريد النخيل إني أم ويعلم عظام أبي وأمى وجدي إنني أم ويحمل نسيم الهوى لكل الناس إني أصبحت أم اصرخ.
•••
••  فاليوم ميلادي اصرخ فتلك صرختك الأولي ولكن ، إختزن بعض الصرخات فما زال هناك ألف صرخة فى دنيا المتاهات لكن دعك من كل هذا الآن ليس وقت الحكمة أو الكلمات الآن وقت الرقص والغناء على أنغام آلاف الآهات ، انظر يا عيني هذا ثوبك أعددته منذ خمسين سنة ، وهذا غطاء رأسك انظر ما زال جديداً جميلاً والله إني كنت أحمله في عيني وأخشى عليه نظرة عصفور على الأشجار .هيا إنهض وانظر هذا ثوب أبيك الذي خرج منذ أعوام إلى الجيش يحارب من أجلك وتركنا في ظل الله لا نملك إلا الرجاء ولكن سوف يعود لنا بعد يوم أو شهر أو عام أو أعوام . أتدري ما إسمه ( مصري ) وهو مصري وأنا مصرية وإسمي مصرية سوف يعود يا ولدى وتشرق الشمس فى ( أم الرشراش ) قريتك بيتك وأرضك , وعندما يعود سوف نزرع لك شجرة ونذبح لك أرنبه فهي كل ما نملك لكن إبتسم فأنا حلمت ذات يوم أنك سوف تأتي وتكبر وتروي الشجرة وتجني ثمارها وتطعم كل من طرق بابك وتعوضنا أنا وأبيك عن كل لحظات الحزن يا فرحة عمرى .
•••
•• الفجر يعلن قدومه والديك الشركسي يضرب بجناحيه فوق رأسها وهي سابحة في بحر النوم العميق ، وحاضنة طفلها ( جمال الدين ) ، تضرب بيدها الديك ويضربها بجناحيه مرة أخرى فنهضت مبتسمة مقبلة رأس جمال الدين وفتح ذراعيه وألقى البشري في وجهها بإبتسامته الجميلة فعادت وقبلت رأسه ونظرت إلى عينيه فقالت ما زال كل شئ كما هو ولكن ربما اليوم يتحقق المراد , سوف أفعل ما قاله العراف وأطرق باب إمرأة لعوب وأطلب منها غطاء رأسها لإبني وأحرقه , من خبز الشحاذين وكحل العرافين ولبن بعير وماء من روضة المصلين وعطر عتيق قديم من أرملة جميلة من ذكرى أجمل السنين وبخور من بخور الراهبين وقطرتين من دمى ومن دمك , وأجمع الرماد فى قطعة قماش من ثوب قديم وأخلطه بسعف النخيل وأمسح به عرق الجبين وأمضى فى السوق أدور يساراً ويميناً وأمضى على طريق منحدر ثم أهرول إلى شاطئ النيل وألقى به وأدعو ربي ألا يريك يوماً حزيناً يا قرة عيني يا حلم السنين وا واه او إكتملت فرحتي وأسمع صوتك تناديني أمي أمي .
•••
•• فالبيت مشتاق لسماع صوت أناس غيري منذ سنين فمنذ أن غاب أبوك لم يعد في البيت يعلو صوت غير صوتي وعواء الكلاب والذئاب وحتى الديك يرفض الصياح فمن الحظ أنه أخرص ولا نملك غيره من طائر أو بعير .
•••
•• الآن أذهب مع شروق الشمس قبل أن تصحو عين الحاسدين وأسرع في قضاء أمري فإني أسعر أن أباك يطرق الباب اليوم فلابد أن أكون جاهزة له بأجمل ثوب والكحل في العين والحمار فى الخدين , فأنا والله مشتاقة له كشوق أشجار الخريف للربيع يعيد إليها الحياة . أتعلم سوف أحتضنه وأرقص له وأرقص معه وأغني لك وله ونذهب أنا وهو إلى بيت إخوتي وإخوته وبيت أمه وأنا أحملك بين ذراعي وأرفع وجهك لكل الناظرين وأعود يا قرة عيني وأبخرك لربما تكون أصابتك نظرة الحاسدين فأبوك فارس إسمه عز الدين كل بنات القرية كانت تحبه بل كانت تشتهيه وأنا فزت به فما بالك به بأنه طيب حنون , سوف تكون مثله ولكن إن تكون فقيراً يقتل الحب ويجعل المرء مجنوناً ولكنى سعيدة جداً فإننى كلما أنظر في عينيك أراه وأتوقع بنبضات قلبي أنك سوف تكون مثل أبيك جميلاً بقلب طيب وعقل حكيم .
•••
•• يالك من مراوغ أخذتني فى الكلام وأنسيتني ما أود أن أفعله , إنهض وامش معي لنذهب لنقضى ما إتفقنا عليه هيا هيا إنتظر فإني أسمع طرق على الباب . اللهم إجعله خيراً من يطرق الباب بي في هذا الوقت ؟ ربما يا صغيري جدتك المشاكسة لا تعرف الوقت ولا الذوق تفعل ما تريد فى أى وقت . نعم نعم إني آتيه من الطارق ؟ يا إلهي ما هذا ؟ أهو الطارق أخرص أم أطرش ! ربما يكون على الباب ذلك المجذوب يريد ماءاً أو طعاماً ولكن ليست عادته إنه دائماً يأني ما بين الظهيرة والعصر . من الطارق ؟ من أنت ؟ دعك من الطرق وانطق بكلمة وإلا سوف آتي بالفأس وأهشم رأسك . يأتيها الصوت فيرقص قلبها إنه (عز الدين ) ذلك الشاب العائد من غربته فى الجيش .
•••
•• افتحي يا زوجتي يا عمري إشتقت إليكِ كثيراً . فتحت الباب وإرتمت في حضنه وبكت بصوت مذبوح قالت : أخبرني قلبي أنك آتٍ ولكن كنت أنت أروع من الخبر وأتيت قبل أن أعد نفسي . لا لا وألف لا فأنت أزددتي جمالاً وأحسن ما فيكِ روح ليلة الزفاف ؟ أهي فرحة عودتي التى أذبلت الحزن من عينيكِ وأعادت الإبتسامة إلى شفتيكِ .
•••
•• نعم إنها الفرحة ولكن أتدري ما هي ليست بعودتك فقط , عودتك تمثل لي عودة الروح للجسد ولكن إن الله أعطاك فرحة أكبر منى ومن كل عقلك أدخل وأنظر فهناك ضيف ينتظر في الداخل منذ أسبوعين . لقد عوضنا الله عن صبر السنين ورزقنا بطفل جميل . ماذا ؟! أعيدي الخبر أعيديه بالله عليكِ . طفل . أكانت نبوءة الحمل تلك المرة صادقة.
•••
•• نعم نعم أين روحي ؟ أين عمري ؟ أين زهرتي التى أنتظرتها ؟ فالآن أنا حي إني أشم رحيقها أين ولدي ؟ الدموع كالسيل تخرج من عينيه ولا يدري كيف يقاومها لقد سقطت كل أقنعة الكبرياء وإستسلم لعاطفته إلى الداخل وحمل إبنه بين ذراعيه ومضى يدور به الغرفة وهو يرفع صوته مرحباً ولدى , أسميته جمال كما كنا نحلم . نعم نعم يا أبو جمال . تعالى يا أم جمال وإقتربي مني فأنا والله مشتاق إليك وأزداد شوقي مع قدوم ولدي أقبلي . أقبلي . وإقتربي مني أكثر …………!!

•••

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق