اضغط أولا زر تشغيل الأغنية لتستمتع وأنت تقرأ التحليل الفنى
أم كلثوم ـ ألف ليلة وليلة
محاور المقاربة السوسيوبنائية بين الأنا والآخر
فى شعر وليد مليجى
--------------------------
قصيدة وش رانيا نموذجا
--------------------------
رؤية نقدية
بقلم الشاعر
ناجى عبد المنعم
توقفت أمام هذا النص – وش رانيا – كثيرا وقراته أكثر من مرة ورغم أن النص يبدو مباشرا سهلا الا اننى كلما اقتربت مجددا من منطقة ابداعات وليد مليجى أفكر ألف مرة قبل أن أعطى انطباعا عن مُجمل ابداعاته فهذا الشاعر يُعتبر واحدا من القلائل الذين يستخدمون نظريات علم النفس الاجتماعى فى ابداعاتهم فيضيفوا نقشا ذهبيا جديدا لتاريخهم وهذه النوعية من الشعراء يجب أن نتعامل مع ابداعاتهم بشكل اكاديمى بحت لالقاء الضوء على خصائص وجوانب واركان البنية الفكرية التفاعلية مع النص
وقُربى ومعرفتى الوثيقة بالشاعر وليد مليجى خلال السنوات الاربع الماضية ومتابعتى لقفزاته الفكرية وأطروحاته الأدبية – الذكية جدا ( بداية من ديوانه " وش أبويه " ومرورا بديوانه الكاسر لتابوهات الرعب من الاقتراب – مجرد الاقتراب – من منطقة رباعيات العبقرى صلاح جاهين " من وحى الأمثال الشعبية " وانتهاء بديوانه الأخير " من وحى الآيات القرآنية " فهو شاعر ذكى جدا يتعامل مع النص بمنتهى السهولة بدون الجنوح الى الضبابية والاغراق فى الرمزيةالا انه – ورغم بساطة ألفاظه وسهولة صياغة صوره الشعرية - الأحادية غالبا والمركبة احيانا - يُجبر المتلقى العادى والناقد الأكاديمى على الابحار بين سطوره ليقرأ النص الأصلى الذى يستهدفه الشاعر فعلا فالنص عنده مركبا دائما – ظاهره لمن لا يريد ان يرهق نفسه فكريا فيأخذ الوجبة الفكرية المناسبة له دون أدنى عناء ، وباطنه وبين سطوره يحلق بنا الشاعر فى آفاق جديدة وبعيدة جدا ينهل منها الشغوف بالعلم والثقافة العديد من الرؤى والاطروحات الأدبية والفكرية المنبثقة من المدارس والمناهج الفلسفية فى تنظيرية بديعة .
وهذا النص الذى بين ايدينا " وش رانيا "
قد تكون فكرة قديمة ومستعارة ومستهلكة فقد تناولها العديد من الشعراء والحكماء فى وصاياهم لابنائهم وتلاميذهم الا ان وليد مليجى تعامل معها بشكل مختلف تماما فالخط الدرامى التصاعدى للنص قد بُنى على حوارية ورؤية لبطلين قد يكونا ممثلين على خشبة مسرح الحياةهما الأب والابنة ومن التقليدى أن يأخذ الحوار كله شكل " الناصح والمنصوحة ".
الا أن النص أخذ صورا معكوسة تماما فقد قدم حكيم النص صور متعددة للحياة والدنيا بمواقفها المتعددة من وجهة نظر المتعلمة ورآها الحكيم بعينى المتعلمة ثم قدمها باسلوب يتناسب مع فكرها وثقافتها وسيرورة المقاربة المنشودة لتكتمل النظرة الفلسفية فى مقاربة المنهج السوسيوبنائى كما وصفها رائدها ومؤسسها تماما " ليف سيمينو فيوفسكى " وهذا المنهج يعتمد على نظرية الصراع المعرفى وعلى حد تعريفه لمنهجه – والذى التزم به وحاكاه ابداعه الشاعر وليد مليجى - " لا يمكن أن يكون هناك نمو معرفى بدون تعلُّم وعليه فالسيرورات المتوقفة على هذا النمو تنهض أساسا على نتيجة التحليل الثلاثى للعلاقات ( الفرد – المهمة – الشخص ذو الثقة ) فى مسيرة مبنية ومنظمة
وقد اتبع الشاعر وليد مليجى المنهج السوسيولوجى فى مقاربة البناء التربوى فى حوارية رائقة تتجسد فى دفقتين شعوريتين فقط .
أولاهما تمثل الركن الأول من المقاربة السوسيوبنائية أحادية النظرة من جهة الأب الناصح – دائما - !! والأخرى تعبر عن الركن الثالث فى دفقة جديدة للابنة المتعلمة والمنصوحة – دائما ايضا - !! فى نسق وسياق تربويين تماما.
وقبل أن يرمى بظلال النص على المنهج السوسيوبنائى يبدأ باستهلال توثيقى للجو النفسى العام لفكر وثقافة المتعلمة.
فيقول الشاعر :
" وش رانيا أحلى وش
وش ما يعرف ينافق
أو يغش
لما اشوفه
تضحك الدنيا فْ عيونى
و أنسى آلامى وْ شجونى
لو يفوتنى
يبتدى حزنى و همِّى
أصل رانيا
أم تانية بعد أمى "
وهذا الاستهلال موفق جدا واختيار شخصية حقيقية تمثل الطرف الآخر زاد النص صلابة وواقعية لتخصيص وتوجيه السياق الدرامى للنص وهذا الاسلوب اتبعه من قبل رائد الواقعية فى الرواية العربية نجيب محفوظ فقد كان يكتب ويصف بخصوصية شديدة جدا مع ترك مساحة للناقد المتخصص لاستخدام الترميز والاسقاط على اى مرحلة تاريخية أخرى فالنص مفتوحا دائما وقابل للانصهار فى اى بوتقة فكرية وأى احداث تاريخية
ثم ينقلنا الشاعر الى مرحلة تالية للسياق التصاعدى فيقول:
" أصلى عارف قلبها
من غير غُلاف
بس دايما
لما ابص ف ْ وشَّها
أحزن و اخاف
عارف انِّى فْ لحظة هابعد
و اختفى جوه السكوت
يا حبيبتى
إوعى تبكى لمَّا اموت "
والبكاء ليس مجرد حالة رد فعل لفعل ما كما وصفها اسحاق نيوتن فى قانونه الشهير فى الجاذبية " لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه " فالشاعر لا يهدف الى توثيق هذه النظرية فى نصائحه مطلقا وهو يرفض أن يكون الموت فعلا والبكاء ردا لهذا الفعل تماما فقرر فى نصائحه ان الموت ضعف والموت الذى يقصده ليس موت الجسد وانما توقف الحياة بأشكالها والبكاء مجرد قناع ولا ينبغى للمتعلمة ان تنتهج هذا النهج فأراد ان يعلمها كيف تكون قوية وذلك تمهيدا لاعدادها الاعداد الجيد فى اكمال مسيرة الأب – القوى – وأن تبدأ من حيث انتهى لتستمر الحياة بنفس القوة التى بداها الأب
والنص فى مُجمله من أروع ماكتب الشاعر وليد مليجى فهو مُكتمل فنيا ( بناء ورؤية ومعالجة )
======
البنـــــــاء
======
1 - الموسيقى الداخلية والخارجية للنص : -
استخدم الشاعر – كعادته – أوزان الخليل ابن احمد الفراهيدى ملتزما بها تماما فقد استخدم بحر الرمل فى النص وتفعيلاته ( فاعلاتن – فاعلاتن – فاعلاتن - ) فى التام منه وقد تجنب الشاعر زحافات البحر وعلله ومايُسمى بعكاز الوزن فهو متمكن تماما من السير على اوزان الخليل ولا اعتقد ان هذا البحر تحديدا جاء محض صدفه مع الشاعر كما يفعل غيره من الشعراء – تكون القصيدة على نهج مطلع ما للنص كما يستلهمه ثم يبنى عليه ايا كانت الاوزان الا ان اختيار هذا البحر السباعى التام الطويل الهادىء جدا يتناسب فكريا مع فحوى النص والنصائح والحكم التى تتناثر على جوانبه وقد استخدمه الشاعر ابراهيم ناجى تحديدا عندما اراد ان يكتب عن الاطلال ليجرى معها نفس المحادثة ويعطى نفس النصائح والحكم وقد وُفق الشاعر وليد مليجى تماما فى اختيار هذا البحر وتطويعه – رغما عنه – ليحاكى نصه الابداعى.
2 - قاموس المفردات : -
لعل اشكالية الوجود والعدم التى فرضت نفسها على الساحة الادبية خلال القرنين الماضيين ألقت بظلالها على النص ايضا فقد استلهم الشاعر وليد مليجى الكثير من المتقابلات من المفردات التى تمثل حالتى الوجود والعدم فأكثر من هذه المفردات حتى أنها صنعت شيئا من التوازن النفسى للنص وقد جمع الكثير منها فى السطر الشعرى الواحد والصورة الشعرية الواحدة ( الفرح والحزن – الحياة والموت – توقف الحياة وسيرورتها - الشقاء والهناء ........ والقائمة طويلة )
ويقول الشاعر:
" عيشى عمرك و افرحى
دى الدنيا دايرة
و انتى عارفة الدنيا بيا
أو بدونى
برضو سايرة
لو حزنتى
راح يطُول بيا العذاب
و ان بكيتى
يشتعل فوقى التراب "
تأكيدا لتعادلية التوازن العظيم بين الوجود والعدم على هامش اطروحته الفكرية التى قدمها فى هذا النص.
3 - التناص الدينى :
ولم ينس الشاعر أن يوظف شيئا من التناص الدينى لتكتمل المقاربة السوسيوبنائية للنص ورغم انه اقترب من عملية التناص فى أدب جم وحذر شديد الا انها كانت عملية تناص مكتملة الاركان فقال الشاعر :
" يا حبيبتى
كل ليلة اقرى لى آية م الكتاب
و ادْعِى ليَّا ربنا يكْفُل لى أمرى
و ان قِدِرتى
يوم تجينى تزورى قبرى
هتلاقينى فى انتظارك "
لم يستخدم نصا قرآنيا بعينه الا انه اعطى الضوء الاخضر لتلاوة الكتاب كله متفرقا على ليالى وايام زيارة المتعلمة للناصح وهذا يضفى بهاء تربيويا اسلاميا على المتعلمة قصده الناصح عن عمد .
=======
الرؤيـــــــــة
=======
لم يهدف الشاعر لاصطياد رمزين – مجرد رمزين – ليمثلا حوارية النص فى السياق الدرامى التصاعدى بالقدر الذى خص نفسه كناصح وخص ابنته كمنصوحة ومتعلمة فى مقاربة بنائية واضحة وصريحة دون الدخول فى ترميز وضبابية مفتعلتين كما أنه تجنب – على غير عادته – استخدام أى اسقاط قد يضر بالنص وربما جنوحه المتعمد الى التقريرية والمباشرة فى اغلب النص كان متعمدا ليتمشى مع الجو النفسى العام للنص ويصنع هارمونى رائع وقد حدد رؤيته فى توجيه الخطاب – من والى - دون اقحام أى تفاعلات أخرى تطفح على سطح النص فتضر به وأنا أرى توجيه الخصوصية فى مثل هذه النوعية من الأفكار الابداعية ضرورة ملحة
=======
المعــالجـــة
=======
استخدم الشاعر وليد مليجى الكثير من الصور الشعرية الجديدة فهو - صياد ماهر للصور الشاعرة –
فيقول:
" عارف انِّى فْ لحظة هابعد
و اختفى جوه السكوت "
وهى صورة تطبيقية للجدلية التوازنية التى حاكاها داخل النص والصراع الدائم بين الوجود والعدم والجديد فى الصورة هو معكوسها فقد قرر اخفاء العدم فى العدم ذاته وليس فى الوجود أو العكس وأصعب ما يقابل الشاعر فى بنائه الدرامى للنص أن يصنع توفيقا بين شيئين غير موجودين وهو ما نسميه بمنطقة اللامنطق .
واذكر البيت الشهير :
" هل شربت الفجر خمرا ** فى كئوس من أثير "
صنع الشاعر علاقة بين شيئين مستحيلين فى صورة شعرية بديعة تماما كما فعلها وليد مليجى فى قمة الروعة.
والحقيقة أن النص مكتمل فنيا وبنائيا الى ابعد الحدود ومفعم بالقضايا والاشكاليات والاطروحات الأدبية والفكرية والدينية أيضا حتى أن الشاعر لم ينس اهم جدليات التقارب والتعارف الاسلامى وكما حددها الصادق الامين سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث صحيح " الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالشاعر وليد مليجى يقول :
"هابقى حاسس بيكى دايما
مانتى حتَّة من كيانى
فى شقايا وفْ هنايا
فى بكايا و امتنانى
كفِّنينى فى مِلايْتك
عَطَّرينى بعطر طيبك
إمسحى خدى بكفِّك
ساوى شعرى بين صوابعك
مَلِّى عينك من ملامحى
أصلى ماشى وْ راح أسيبك
بعدها هابعد بعيد "
فيطمئنها ان الارواح ستتلاقى وانه حاضر بروحه كلما قررت زيارته ويعطيها دفقة من الامان والطمانينة والارتياح لشكل المقابلة بأنها لن تختلف مطلقا عن لقاءاتهما الدنيوية .
ثم يختتم الشاعر وليد مليجى النص بقنبلة فكرية واطروحة رائعة البيان فيقول:
" سَمِّى إبنك
أى إسم مْن الأسامى
بس إوْعِى يكون وليد
أصل ممكن
بعد إسمى يكون له بختى
و انتى عارفة
بختى إيه بين البخوت "
وظاهر الكلام انه يوصيها بعدم اتباع طريقته وان تسمى ابنها بنفس اسم جده ولو ان الشاعر يقصد هذا لوقع النص تماما اذ ان النص مبنى على شخصية الاب القوى والقدوة فاذا نفى عن نفسه هذه الصفات لحاد النص ووقع ابداعيا الا ان وليد مليجى شاعر ذكى جدا ويعى مايقول تماما وقد القى القضية برمتها على اشكالية الصراع بين الأطراف الثلاثة ( الممكن - المتاح – المستحيل ) .
فالمتاح هو شخصية الاب المراد السير على نهجها.
والممكن هو حدوث متغيرات تعصف بالمتاح.
والمستحيل هو ان تحيد المتعلمة عن السير على هذا النهج .
وقد أكد الشاعر وليد مليجى على اعطائها الاركان الثلاثة الجدلية ولكنه بذكاء قال :
" أصل ممكن
بعد إسمى يكون له بختى "
ولنتامل هذه الجملة ( أصل ممكن ) وهى اشارة تحذيرية وتنبيهيه لاحتمالية حدوث المتغيرات مع التشديد على التمسك بالاصل.
ولها ابعاد اخرى من الحرية المسئولة والتى تستقيم بين حريتين متضادتين هما المطلقة والمغلقة فهو يعطيها الحرية الكاملة ولكنها الحرية المسئولة لتبنى شخصية الوليد الجديدعلى نهج وليد مليجى.
كل الشكر لهذا الشاعر الرائع وليد مليجى الذى دائما يستفز عقلى ويجبرنى على التامل والنقد والكتابة .. استمتعت جدا بهذا النص.
================
رؤية نقدية بقلم الشاعر
ناجـــــــــــى عبد المنعم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق