اضغط زر تشغيل أغنية أم كلثوم : الف ليلة وليلة
11 - أبو الشمقمق وأبو فرعون رائدا كدية الشعراء ، في العصر العباسي الأول ، فما يدريكم ويدرينا بالمكدين المساكين هذه الأيام:
****************************************
كريم مرزة الأسدي :
يقول الساسي في مدح وزير المأمون الحسن بن سهل :
إليك أشكو صبية وأمهـــــــمْ *** لا يشبعون وأبوهم مثلهمْ
قد أكلوا اللحم ولم يشـــــــبعهمْ *** وشربوا الماء فطال شربهمْ
لا يعرفون الخبز إلا باســــــمهِ *** والتمر هيهاتٌ فليس عندهمْ
وما رأوا فاكهة في ســـــــــوقها *** وما رأوها وهي تنحو نحوهمْ
زعر الرءوس قرعت هاماتهــم *** من البلا واستك منهم سمعهم
شاعر ليس لديه ما يفقده بعد أن خسر كرامته ، ولمّا تخلى عنه مجتمعه كي يحفظ ماء وجه ، هذا مصيره وتفلسف مع وجوده فطنة وضرورة ، والجوع أبو الكفار ، وتبعه على نهجه شعراء الكدية ، ماذا تنتظر من شاعر قال ما قال كما أسلفنا ؟ ونذكرك للتأمل والربط :
ولقد قلتُ حين أقفرَ بيتــــــــي *** من جراب الدقيقِ والفخارَه
فأرى الفأر قد تحنبن بيتي ***عائذاتٍ منه بدار الإماره
أو قوله :
ولقد قلتُ حين أجحرني الــــــبر *** دُ كما تجحرُ الكلابُ ثعاله
في بييتٍ من الغضارة قفـــــــــــــر *** ليس فيه إلا النوى والنخاله
عطلتهُ الجرذان من قلة الخير *** وطار الذبابُ نحو زُباله
أحسن حالاته لما يضيق به الحال يلجأ لصاحبه بشار يستجدي منه ، كما يروي لنا صاحب (الأغاني ) :خبرني هاشم قال حدثني دماذ قال حدثني رجل من الأنصار قال
جاء أبو الشمقمق إلى بشار يشكو إليه الضيقة ويحلف له أنه ما عنده شيء فقال له بشار والله ما عندي شيء يغنيك ولكن قم معي إلى عقبة بن سلم فقام معه فذكر له أبا الشمقمق وقال هو شاعر وله شكر وثناء فأمر له بخمسمائة درهم فقال له بشار :
يا واحد العرب الذي *** أمسى وليس له نظير
لو كان مثلك آخـــــر *** ما كان في الدنيا فقير
فأمر لبشار بألفي درهم فقال له أبو الشمقمق نفعتنا ونفعناك يا أبا معاذ فجعل بشار يضحك . ( 27)
الحقيقة يذكر ابن المعتز وغيره عن تفشي ظاهرة كدية الشعراء ، وبحرفية أمهر وأشنع بعد أن بذر بذرتها الأولى أبو الشمقمق ، فإليك ابن المعتز و(طبقاته)،وأخبار أبي فرعون الساسي :
" حدثني أبو محرز الكوفي قال: أتى أبو فرعون الساسي أبا كهمس التاجر فسأله، فأعطاه رغيفاً من الخبز الحواري كبيراً، فصار إلى حلقة بني عديٌ، فوقف عليهم وهم مجتمعون، فأخرج الرغيف من جرابه، وألقاه في وسط المجلس وقال: يابني عدي استفحلوا هذا الرغيف، فإنه أنبل نِتاج على وجه الأرض، قالوا: وما ذاك؟ فأخبرهم، فاجتمعوا إلى آبى كهمس التاجر فقالوا: عرضتنا لأبي فرعون وقد مزقنا كل ممزق.
ومما يستملح له - وكان من أفصح الناس وأجودهم شعراً، وأكثرهم نادرة، ولكنه لا يصبر عن الكدية.... - وهو القائل :
ليس إغلاقي لبابي أن لــي *** فيه ما أخشى عليه السرقا
إنما أغلقه كي لا يـــــــــــرى *** سوء حالي من يجوب الطرقا
منزلٌ أوطنه الفقر فلو *** دخل السارق فيه سُرقا
لا تراني كاذباً في وصفه *** لو تراه قلت لي: قد صدقا
(.... ) وهذه القصيدة من خيارها : والذي أخذ فيه طريق الجد كلمته في الحسن بن سهل وقد أجمع الناس على حسنها وفصاحتها وهي قوله :
سُقياً لحى باللوى عهدتهم ***منذ زمان ثم هذا عهدهم
عهدتهم والعيش فيه غرة *** ولم يناو الحدثان شعبهم
ولم يبينوا لنوى قذافــــــــــــة ***تقطع من وصل حبالي حبلهم
فليت شعري هل لهم من مطلب***أو أجدن ذات يوم بدلهم
الناس أشباهٌ كما قد مثلوا *** وفيهم خير وأنت خيرهم
حاشا أمير المؤمنين إنه *** خليفة الله وأنت صهرهم
فأحسنوا التدبير لما ناصحوا ***وأمنوا العتب فطال نصحهم
إليك أشكو صبية وأمهم *** لا يشبعون وأبوهم مثلهم
قد أكلوا اللحم ولم يشبعهم *** وشربوا الماء فطال شربهم
وامتذقوا المذق فما أغناهم***والمضغ إن نالوه فهو عُرسهم
لا يعرفون الخبز إلا باسمه *** والتمر هيهات فليس عندهم
وما رأوا فاكهة في سوقها ***وما رأوها وهي تنحو نحوهم
زعر الرءوس قرعت هاماتهم *** من البلا واستك منهم سمعهم
كأنهم جناب أرض مجدب ***محل فلو يعطون أوجي سهمهم
بل لو تراهم لعلمت أنهــم *** قــــوم قليل ريهم وشبعهم
وجحشهم أجرب منقور القرى *** ومثل أعواد الشكاعي كلبهم
كأنهم كانوا وإن وليتــــــــــهم ***طراً مواليِّ وكنت عبدهم
مجتهداً بالنصح لا آلوهـــــــــــم *** أدعو لهم يا رب سلم أمهم " . (28)
يذكر عباس هاني الجراح في معرض جمعه وتحقيقه لديوان أبي فرعون الساسي أن أسمه ( شو يس)، وهو عربي من عدي بن الرباب بن عبد مناة بن أد بن طابخه ، وكنيته : ( أبو فرعون ) ، و يطلق علية : شويس العدوي . إما لقبه (الساسي) ، فقيل نسبة إلى قرية الساس ، أسفل واسط .
وأبو فرعون هذا " شيخ قصير، عظيم الهامة، كث اللحية " ، عاش في البصرة في العصر العباسي، و كان بدوياً، إعرابيا، سائلاً، " لا يصبر عن الكدية " ) ! و لا نعرف سنة وفاته تحديداً، و إن كنا نرجح انه توفي في أوائل القرن الثالث الهجري ، ويذكر أن أدونيس أرخ وفاته 212 هـ دون سند،وأنني أميل لهذا التاريخ من حيث مدحه للحسن بن سهل وزير المأمون . (29)
12 - أبو هلال العسكري وأبو الشمقمق والخليفة الهادي وزب رباح :
حكى أن أبا الشمقمق دخل على الهادى وسعيد بن سلمٍ عنده، فأنشده :
شفيعى إلى موسى سماح يمينـــه *** وحسب امرىءٍ من شافعٍ بسماح
وشعرى شعرٌ يشتهى الناس أكله *** كما يشتهى زبــــــــــدٌ بزب رباح
فقال له الهادى: ويلك! ما زب رباح؟ قال : تمرٌ عندنا بالبصرة، إذا أكله الإنسان وجد طعمه في كعبه، قال: ومن يشهد لك؟ قال: القاعد عن يمينك. قال: أكذا يا سعيد؟ قال نعم، فأمر له بألفى درهم، قال سعيد: فو الله لقد شهدت له، وما أعرف صحة ما قال . (30) ويقال كان خادم واقفاً إلى جنب الخليفة الهادي ، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق