الأحد، 27 نوفمبر 2016

مــــاذا أقـــــول .... للشاعرة المبدعة / Maysaa Zidan

                                 
الشاعرة المبدعة
ميســـاء زيــــــدان
•••••••••••• 

ماذا أقولُ..؟
•••••••••••• 

مــــــــاذا أقـــــــــــــــــــــــــــــــــولُ..؟
وكيفَ أقـــــــــــــــولُ مقاليـــــــــــــــهْ
في قصّةٍ من واقـــــــــــــــــــــــــــــعٍ
ليستْ بنسجِ خياليـــــــــــــــــــــــــهْ
من طيبتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
وســــــــــــــــــــــــــــــــــــذاجتي
كانتْ ردودي للجميـــــــــــــــــعِ
برقّةٍ متفانيــــــــــــــــــــــــــهْ
وبصدقِ ظنّي.. صدقِ حرفي
كي أجيبَ تســــــــــــــاؤلاً
بحياتيــــــــــــــــــــــــهْ
بعدَ انتصافِ الليـــــــلِ
تنقلبُ الأمورُ وحاليهْ
••••••
 •••••• 

منْ كانَ حمْلاً طيبــــــــــــــــــــــــــــــــــاً
طــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــولَ النّهارِ
يصيرُ ذئباً، والحروفُ مخالـــــــــــــــبٌ
في صفحتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
ما بيـــــــــــــــــــــــــنَ تعليـــــــــــــقٍ
وصورةِ عاريــــــــــــــــــــــــــــــــــهْ
فيرنّ طولَ الوقـــــــــــــــــــــــــــــتِ
يطلبُ كي أبادلهُ الحديـــــــــــــــــثَ
ويصولُ في أشـــــــــــــــــــــعاريهْ
وتهاجمُ الصورُ التي لا تُرتجـــــى
في كلّ آنٍ يبعثُ الكلمــــــــــــاتِ
كالسكّينِ في أحشــــــــــــــائيهْ
ويلحّ في طلــــــــــــــبٍ خبيث
أن إفتحي أبوابَ صوتــــــــكِ
إنّني ذا أشــــــــــــــــــتهيه
بل أنّ ((كاميرةَ)) اللقــــاءِ
كمتحفٍ لليلِ يربطُ مقلتيهْ
••••••
 •••••• 

قد غلّقَ الأســـــــــــــــــــــــوارَ 
والأحجـــــــــــــــــــــــــــــــارَ 
والأبـــــــــــــــــــــــــــــوابَ
يهتفُ إنني لكِ تائــــــــــــبٌ
وسألقي كلّ ســـــــــلاحيهْ
كانتْ ظنوني والشــــكوكُ
بنهجهِ وسلوكهِ وخداعهِ
وحبالهِ ونبالــــــــــــهِ
••••••
 •••••• 

بعدَ انتصــــــــــــــــــــــــــــافِ الرّجسِ
ينتصفُ الجنـــــــــــــــــــــــــــــــــــون
فبالثقافةِ يدّعــــــــــــــــــــــــــــــــــون 
ويكتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــونْ
يتشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاعرونْ
من سورةِ الشّعراءِ هم لا يعرفــونْ
سوى: (( يقولون ما لا يفعلونْ))
••••••
 •••••• 

من شاشةِ الهاتف تمتـــــــــدّ
ملايين الإشــــــــــــــــاراتِ
بليلٍ من ظنــــــــــــــــــون
ومن الحروفِ تســــــــيلُ
رغوةُ من لُعـــــــــــــابْ
كلّ العـــــــــــــــــــذابْ
يهاجمُ الأملَ، الرّغابْ
بعدَ انتصافِ العُهــرِ
تنكـــسرُ المرايا
واحتــــــــــــدامٌ 
وارتطــــــــــــــامٌ 
وعـــــــــــــــــــواءٌ 
وذئـــــــــــــــــــــابْ
وتكشّرُ الأنيــــــــــــابُ
تكشفُ كلّ معنىً للسرابْ
ويظلّ كلّ النافخيــــــــــــنْ
بنايّ كلّ تحـــــــــــــــــرّشٍ
وصمةَ عــــــــارٍ في الجبينْ
هُمْ ذاتُهُم من ألفِ قــــــــــرنٍ
يؤمنونَ ويوقنـــــــــــــــــــونْ
بثقافةِ الـــــــــــــــــــــــــــــوأدِ
على مرّ الســـــــــــــــــــــــنينْ
بعدَ انتصافِ رجولــــــــــــــــــةٍ
أنصافُ من تلكَ الرجــــــــــــــال
ولا رجــــــــــــــــــــــــــــــــــــالْ
••••••
 •••••• 

على هديلِ حقيقــــــــــــــــــــــــةٍ
ينسابُ طيفُ رجائيــــــــــــــــهْ
في نُبلِ كلّ مشـــــــــــــــاعري
سأصوغُ من أفكاريــــــــــــهْ
أرمي الذئابَ كلعنــــــــــــةٍ
وأظلّ في آفاقيــــــــــــــهْ
أنا والقصيدةُ خافـــــــقٌ
يحنو على جلاّســـــيهْ
سأظلّ طيبُ مقالــــةٍ
وأظلّ صدقَ مقاليهْ
 ••••••••••
ترتيل "بعد انتصاف الرّجس"
 ••••••••••
ترتيل "بعد انتصاف الرّجس"
د. وليد جاسم الزبيدي


طقوس قرآنية في ترتيل "بعد انتصاف الرّجس"
  ••••••••••



     وأنت تقرأ هذا النّص، لابدّ أن تكون لك ذخيرةٌ معرفيةٌ، وأن تتعرّفَ على مرجعيات الشاعرة الراقية (ميساء زيدان)، فليس هذا النّص فقط بل معظم نصوصها، لابدّ أن تعرف مرجعياتها، فكتاباتها خطيرة، وتنم على ذكاء في اختيار الفكرة، والقافية، واللفظ، وحتى شكل النّص، فالكل بناء متراص في نتاج أدبي ابداعي.

  لنظل الآن في بوتقة هذا النّص، في البدء لابدّ أن تتوضّأ، وتتعمّد، وتتشهّد. نعم أن تتوضأ بالدموع، وتتعمدَ بمطر الحروف، وتتشهّد لأنك ستأخذك غيبوبة كبيرة وعميقة في محراب مقدس. فمع عنوان النّص تبدأ قرآنية النّص، فكلمة (الرّجس) مفردةٌ قرآنية، وقد وردتْ في المعاجم العربية عند الفراهيدي في كتابه (العين) وعند الزّبيدي في (تاج العروس)، وعند الجوهري في صحاحه، وفي المعاجم الحديثة مثل المعجم الوسيط لمجموعة من الأساتذة الأجلاء، معنى الرّجس: رَجَس، بفتح الجيم، صوت الرعد أو الجيش، أمّا رَجِسَ، بكسر الجيم، رِجْساً ورجاسةً: نجس. والرجاسة، القذارة، والعمل القبيح، والحرام، ورِجس الشيطان: وسوسته.
    هكذا نبدأ منذ العنوان، بضرورة التوضأ والتعميد، وهذا يعني، بعد انتصاف الرّجس، أي أننا أمام عمل حرام، وأعمال قبيحة، لابدّ أن ننتبه لها ستأتي في ثنايا النّص، وأن نتحذر، ونتمعّن في كل سطر، ومقطع، وقافية..

   ولنقف مع بناء النّص، وشكله، يتمحور شكل النّص في بناء قرآني، فلابّدّ لك أن تتلو بصوت خاشع وتعيش قدسية ترتيل (سورة الحاقّة)، ففيها موسيقى عالية من البحر البسيط، (مستفعلن/فاعلن/ مستفعلن/ فاعلن..) موسيقى السورة التي امتزجت معها قافية النّص من (قصيدة التفعيلة/ الشعر الحر) ، حيث نقرأ : ((فأهلكوا بالطاغية))، ((بريحٍ صرصرٍ عاتية))، ((كأنهم أعجازُ نخلٍ خاوية)).. وهكذا.. وقافية النّص: (مقالية)، (أشعارية)، (عارية)، (رجائية). نعم الهاء المسكّنة، والهاء التي تعني الإنزياح، انزياح النّفس (الزفير) وأطلاق كل ما في الروح من الداخل للخارج، أي التطهير، تطهير الذات، والتأوّه، وكلّهُ مع (الهاء) عملٌ تطهيري، تخليص الذات الداخلية من كل أدران وطرحها بصوتٍ هادئ ورفيف على موسيقى البحر البسيط المنبسط.
 ••••••••••

بعدَ انتصافِ الليلِ
تنقلبُ الأمورُ وحاليـــــــــــــــــــــــــــهْ
منْ كانَ حمْلاً طيبــــــــــــــــــــــــــــــاً
طولَ الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنّهارِ
يصيرُ ذئباً، والحروفُ مخالـــــــــــبٌ
في صفحتــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
ما بينَ تعليقٍ.. وصورةِ عاريــــــهْ
فيرنّ طولَ الوقــــــــــــــــــــــــتِ
يطلبُ كي أبادلـــــــــــــهُ الحديثَ
ويصولُ في أشــــــــــــــــعاريهْ
وتهاجمُ الصورُ التي لا تُرتجى
في كلّ آنٍ يبعثُ الكلمـــــاتِ
كالسكّينِ في أحشـــــائيهْ

 ••••••••••
     ثم تتابع النّص القرآني لتجد الإنتقال من حرف الهاء ((سلطانية))،((ثمانية))، الى حرف آخر هو (النون)، فنقرأ: ((لا يأكلهُ إلا الخاطئون))، ((فلا أقسم بما تبصرون))، ((وما هو بقول شاعرٍ مجنون))، .. فتجد الذكاء عند الشاعرة أيضاً في الإنتقال بحرف قافيتها من (الهاء) الى مقاطع أخرى فيها (النون) هي القافية، كما في نص القصيدة: (ينتصف الجنونْ)، (بالثقافة يدّعونْ)،( بليلٍ من ظنونْ)، وهكذا..
 ••••••••••
بعدَ انتصـــــــــــــــــــــــــــــــافِ الرّجسِ
ينتصفُ الجنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــون
فبالثقافةِ يدّعون.. ويكتبــــــــــــــــــونْ
يتشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاعرونْ
من سورةِ الشّعراءِ هم لا يعرفــــونْ
سوى: (( يقولون ما لا يفعلونْ.))
 ••••••••••

   فقد درستْ الشاعرةُ الموضوع بفكرٍ ثاقب وحرفية وحذرٍ كبير، وبتقنية عالية، كيفية استخدام أدواتها ومعرفيتها لتوظيفها خدمةً للنّص. ثم والأدهى والأذكى أنها ربطتْ بين ((الرّجس)) في سورة ((الحاقة)) والنّص القرآني في ((سورة الشعراء))، فهي وظّفت هذه السورة التي استشعرت بصورة المتشاعرين والمتثاقفين-المنافقين- وأدعياء الثقافة ، وكيف أشارتْ الى الآية ((يقولون ما لا يفعلون)).. كما وأن السورة المباركة فيها مجموعة قصص للأنبياء والرّسل (موسى، ابراهيم، هود، صالح، نوح، لوط، ) عليهم السلام، ونبينا (محمد) عليه أفضل الصلاة والتسليم. وهي سورة خصّت الشعراء، وصنّفتهم بين المنافقين والدجالين، والذين آمنوا.

    أنهُ نصّ حداثوي جميل وخطير، حيثُ عالجَ ظاهرةً اجتماعية خطيرة تعبث بالمجتمعات العربية عموماً في الواقع الذي نعيشه وهو حالة التحرش الجنسي الذي ابتلي بها الناس من قبل ضعاف النفوس، وذاتهم يعملون وينقلون هذه الظاهرة السلبية الى العالم الرقمي – الأنترنيت- والتحرّش والتعدي والتجاوز.

 لابدّ أن يقف عنده المتلقي الحاذق، والناقد الفطن، لتأشير ما للنّص من إشارات مهمة، ومعانٍ في الباطن، تبحث عن غوّاصٍ ماهر لإكتشافها.. شكراً ومباركةً لهكذا عمل ونصّ يُشعرُنا أن الأدب العربي ما يزال بخير وأن طلائع الإبداع تلوح في الأفق.


  ••••••••••
  أديب وناقد عراقي
 ••••••••••

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق