(جريدة الشعر
والشعراء العرب)
■■■■■■■■■■■■■■■
الأديبة مونيــة
ميهــوب
Monia Mihoub
■■■■■■■■■■■■■■
انما للصبر حدود ـ أم كلثوم
■■■■■■■■■■■■■■
صـــــــراع
■■■■■■■■■■■
■■معظمنا في قريتنا نحب
فصل الصيف.وننتظر حلوله بفارغ صبر كل سنة .
إلا أنه هناك امرأة
من بين نساء بلدتنا تشمئز من الصيف .وتتمنى لو حذف تماما من بقية الفصول.و
ستفهمون لاحقا ما الذي يدفعها إلى هذا التوتر والشعور بالضيق
كلما اقترب. انها جارتنا سعاد.
■■■■■
■■■■
■■■
■■
(2)
انها جارتنا سعاد
.وهي منذ صبيحة هذا اليوم تبدو على غير عادتها من المرح و الانبساط .
لقد اخبروها بتوقيت
وصول الطائرة. ومن ساعتها وهي تذرع البهو جيئة و ذهابا بدون انقطاع كالمعتوه .الا
أنها سرعان ما توقفت حين تذكرت الاشغال المنزلية المناطة بعهدتها والتي تحاصرها فلا
تجد اي مفر منها.فخضعت للأمر وشرعت تفتح النوافذ وترتب الفرش .
وتسرع الى القدر فوق
النار الذي من المطبخ يناديها . ثم لا تلبث أن تنتصب وسط الجدران جامدة.وتمد ببصرها
الى بعيد ،بعيد ،لتلقى هنالك في الفضاء اللامتناهي طائرة تحلق وتحلق.
■■■■■
■■■■
■■■
■■
(3)
طائرة تحلق و تحلق.
ثم تحدد وجهتها و تميل في هبوط هادئ كي تستقر اخيرا على اليابسة.ثم يلج خيال سعاد
الى بهو فسيح يعج هرجا و مرجا و يتناقض احاسيسا ومواقف .من بهجة
وانشراح للقاء أو دموع و حرقة الوداع . وهي كذلك إذ تبرز
أمامها بغتة و من بين الجموع مسافرة .ككتلة من سعير تتدحرج. تشق الحشد بلا مبالاة
وتجر من خلفها حقيبة ثقيلة مع جراب اثقل .أما بالحقيبة فاشياء حلوى و هدايا
.وأما بالجراب فشر مستتر.تاملت سعاد جيدا في المسافرة،فعرفت وجه حماتها
سميحة.
■■■■■
■■■■
■■■
■■
(4)
لكن سعاد لم تلبث أن
انتفضت في مكانها ورجعت الى واقع حياتها .وذلك لما سمعت صوت زوجها وهو
يخاطبها قائلا :
- امي على الطريق السريعة ،اتصلت بي منذ لحظات وهي تامر أن يكون كل
شيء بالبيت جاهز.
ثم غادر البيت الى
السوق.احست صاحبتنا بموجة من الحر تعتريها ،فملات قدح ماء وشربت وانصرفت
متثاقلة الى كرسي قريب وهي تهمهم : - ليت الطائرة تتأخ عن الموعد أو يحدث عطب
فتلغى السفرة و تريحني من عذاب اكيد .
ساعة قد فاتت،فقامت
المرأة لتلقي نظرة أخيرة على غرفة الطعام فوجدتها على مايرام :
** منضدة أنيقة عليها
ما لذ و طاب من المصنفات والغلال و كذلك المشروبات . بغتة ارتج البيت على
عروشه لما توقفت سيارة فخمة عنده.اطلت سعاد فلم تدري اهي حماتها سميحة ام
الجحيم هو الذي ينزل .أما سميحة فلقد مضت نحو الدارتتهادى كالطاووس . و
ما أن حطت قدمها داخل الدار حتى صارت تعربد و تقول :
- اغيب مدة من الزمن
فينقلب المنزل راسا على عقب .وتدير رأسها صائحة في سعاد:
سعاد فاغرة الفم
واجمة تتعجب.
■■■■■
■■■■
■■■
■■
(5)
اجتاز الضيوف الردهة
و منها إلى غرفة الاكل .ثم تحلقوا حول المائدة . فجأة حاصرت المكان غمامة
من الغضب وتهاطل أثرها مباشرة وابل من الأوامر والنواهي على راس سعاد
.إذ انطلقت سميحة تصرخ :
- ما هذه الاقداح
القذرة ؟ هيا اعيدي فورا غسلها .
بعد هنيهات تزمجر :
- و السمك اين هو
السمك ؟ هاتيه و هاتي بالليمون.
برهة تمضي فتضيف في
استنكار:
- مالك تجلسين الآن ؟
اسرعي وناولينا بقية الأطعمة
سعاد:
- صمت و شعور
بالمرارة .
تهجم سميحة على ما في
الصحون لا تبقي فيها ولا تذرثم تتحامل على نفسها وتنتصب قائمة كي
تتوجه إلى قاعة الجلوس حيث ترتمي على إحدى الارائك ،وتروح تغط غطيطا .
ذات قيلولة اقبلت
دلال شقيقة سميحة لتزورها ،واختارت مكانها بجوارها.
تمتمت الأولى بالفاظ
مبهمة فردت الثانية بصوت مرتفع :
- ارايت ؟ الم اخبرك
بأنها لا تصلح ابدا لابني؟
■■■■■
■■■■
■■■
■■
(6)
اوصدتاالباب من و
رائهما ،واختفتا عن الأعين .لم تعر سعاد الأمر أهمية لكنها بعد هنيهة بوغتت
بالضيفة تتسلل مسرعة الى الخارج ،وسلة مغطاة بيدها.
رحلت الزائرة فاقتربت
براءة من جدتها تريد تقبيلها فنهرتها العجوز الشمطاء قائلة :
- اغربي عن
وجهي ،حقا بنت امها خبيثة ومتملقة مثلها .حينئذ أحست صاحبتنا
بالألم.ولسائل أن يسأل ما الذي يجعل سعاد تحجم عن الرد في كل مرة؟ .لاحجامها دوافع
و أسباب منها مرض زوجها الذي يشتكي من انسداد في شرايين والذي صار
شبح الموت في كل ركن من أركان المنزل يترصده ويهدده.ومما زاد
الطين بلة هو خصاصة الرجل وقلة ذات يده .فلم يكن يملك اي مورد رزق يسترزقه
سوى تلك الحوالة البريدية التي تتفضل الوالدة وترسلها له
احيانا.مبلغ ضئيل لا يقضي حاجة ولا يسد رمقا.اما أبوه فلقد خير الضفة المحايدة
وظل في ناحيته لا ينبس بشفة ولا يعلق تعليقا.ولا شغل له ولا شاغل الا
سيجارته يداعبها ويتسابق مع دخانها المتصاعد. في هذه الظروف
القاسية عاشت سعاد.صبرت ،تقبلت وكلما طفح الكاس رفعت راسها وتضرعت.
■■■■■
■■■■
■■■
■■
كما سبق وذكرته لكم
ففي الصيف يتغير مشهد البلدة عما نشاهده في سائر الايام .حيث
تكثر السهرات والإحتفالات .فهذا له زفاف وذلك عنده ختان .أما تلك
فتحتفل بعيد ميلاد ..الناس كلهم في صخب و حركة. وأبواق الموسيقى تصم
الآذان وتمنع النائم من الغفوان .أما النسوةفكانهن على موعد موحد .أينما
تمر تراهن تترفلن في حلتهن و حليهن وتتهادين في الطرقات.
ونرجع الآن إلى
صاحبتنا سعاد التي تتالت عليها ايام الصيف على هذا المنوال:
تخرج حماتها في اي
وقت والى كل مكان .ففي الصباح تزور الاحباب والاقارب .وفي المساء
تلبي الدعوات و تذهب الى الاعراس.كل هذا وسعاد قابعة في الدار
حزينة،وجهها بين كفيها وهي تبكي .بينما الدنيا من حولها فيسرور و حبور. و لا
تزال سوى فترة وجيزة قبل اليوم المرتجى حينما واجهتها المسماة
سميحة و صفعتها بهذه العبارة اللاذعة :
-لا تلمسي ادباشي و
امنعك منعا باتا من ولوج غرفتي ،انا لا ااطيقك و اعلميعلما يقينا أنه ستاتي
فرصة فيها اطردك .
اذاك تدفقت العبرات
من مقاتلي المرأة وكأنها ينبوع و تفجر .وظلت على تلك الحال خلال كل المدة
المتبقية ،تتقلب على الجمرات . الى أن هلت اخيرا البشائر و رأت الغول
يجمع اغراضه وينصرف .
وما أن غابت الجدة عن
الأنظار حتى ركضت براءة الى الداخل و ارتمت بين أحضان والدتها ثم
رفعت المحيا المحمر بين يديها الصغيرتين و سالت:
- ترى هل ستعود جدتي
الحبيبة في الصيف القادم ؟ .كم اتمنى لو تأتيني بدمية ( الباربي) أن
هذه الدمية تعجبني كثيرا . فتضمها سعاد بحنان
وتجيبها في ذهول :
- ستاتيك بها يا
بنيتي الحلوة .. ستأتيك.
■■■■■■■■■■■■■■■■■
إنتهـــت قصة صــــــــــــــــــراع
■■■■■■■■■■■■■■■■■
بقلم
: منية ميهوب
Menzel Jemil
تونــــــــــــــــــــس
٩ يوليو، الساعة 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق