اعلان فوز
الدكتورة / ريـم سليمان
الخش
بجائزة وسام أمير الشعراء
أحمد شوقى
بالقاهرة
السيد العيسوي عبد العزيز
----------------------------------------------------
قبس
من صالون
أمير الشعراء
شهر يناير
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
صراع
الدين والدنيا في أدب الحرب:
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
■■■■■■■■■■■■■■■■
دراسة
في قصيدة (فوضى تنبئُ أن كوكبنا انتهى)
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
للشاعرة الدكتورة / ريم سليمان الخش من سوريا
■■■■■■■■■■■■■■■■
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
القصيدة الفائزة في مسابقة
أمير الشعراء الشهرية من خارج القطر المصري عن شهر يناير، مع دراسة نقدية حولها،
نعرض ذلك في ما يلي مع مقدمة معتادة:
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
مقدمة منهجية:
■■■■■■■
■■■■■■■
بحثًا عن تأسيس نهضة شعرية
ونقدية من بيت أمير الشعراء بمصر وباقتراح من رواد الصالون من الشعراء المتميزين،
وسعيًا للتواصل مع متابعي الحركة الأدبية الجادة من أصدقائنا في العالم العربي-
نقدم مشروعًا جديدا يعتمد على اختيار قصيدة أو قصائد مميزة ألقيت في متحف أمير
الشعراء بمصر للدراسة والتحليل عبر قدر من الموضوعية... ونأمل أن نجمع ذلك -في
النهاية- في كتاب مرجعي يمثل مادة علمية مفيدة لرواد الصالون والمتابعين يليق
بمستوى اسم صالون أمير الشعراء ورواده.
■■■■■■■
■■■■■■■
أولا النص:
فوضى تنبئُ أن كوكبنا
انتهى
من صرخة المقتول يصحو
جافـــــــــــــــــــــــلاً
معنى الوجود محرضـــــــــــــــــــــــــــــا إنسانهْ
سبحان ربيَ هــل إرادتــــــــــــــــــــــه
اقتضتْ؟
ثقب المجـــرة بالعًـا أوطانـــــــــــــــــــــــــــهْ !
وتصادما في الشرق نيزك
فكرنـــــــــــــــــــــا
بقذى التطــــرف قادحا نيرانـــــــــــــــــــــــهْ
فتآكل الصـــرح المشيد ولم
يـــــــــــــــــــعد
ملكــــوت عيسى حاميا رهبانــــــــــــــــــهْ
وطنٌ بلا وزنٍ يطير
وبالفضــــــــــــــــــا
دون التجاذب فاقـــــــــــدا عنـــــــــوانهْ
جبريلُ يصرخ أين وحيك
يافتــــــــــى؟
والوحيُ يرحــلُ تاركا أشـــــــــــجانهْ
موسى تكبلَ والأفاعــي في
المـــدى
ســــــحر وينفث غلّـه أضغانــــــهْ
فوضى تنبئُ أن كــــوكبنا
انتهى
قلبي ينـــــادي معلنا إيمــانهْ
■■■
■■■
■■■■■■■
■■■■■■■
ثانيا: الدراسة:
سوف نسمي هذه القصيدة من
أدب الحرب، الحرب التي صارت طعما نتذوقه يوميا في الواقع وعبر وسائل الإعلام، في
أمة ممزقة الأوصال، ولسوف تتضح عدة سمات لهذا الأدب، أي الشعر والنثر الذي يكتب في
ظله، ولسوف نجدها في هذا النص كما وجدناها في نص سابق، ولكن السقف النفسي هنا يبلغ
مداه، ومن هذا.. الكتابة التي هي أقرب إلى الهذيان، والانفجار اللغوي، والمنعرجات
النفسية الكثيرة، وصحوة اللاوعي بمكنوناته التي يقذفها في وجهنا قذفًا بل في وجه
صاحبها بلا تفرقة، ومراجعة كثير من المفاهيم والمسلمات، وجنوح اللغة الشعرية لكسر
المألوف من التعبير، تساوقًا مع واقع منكسر وكاسر في ذات الوقع. وكثرة الأدخنة
النفسية داخل النص بما يعوق الرؤية الواضحة، تماما كأدخنة الحرب التي تملأ
الطرقات، وتراجع الصياغة بعض الأحيان في ضوء التدافع النفسي وانفجاراته، فلا مجال
للتأنق أمام مواجهة الموت وقبحه، وصحوة الغرائز العليا عبر شبكة من المشاعر
المعقدة التي تتشبث بالحياة أكثر .... وغير ذلك من السمات التي يمكن رصدها بسهولة.
■■■■■■■
■■■■■■■
يبدأ النص بداية أشبه
بالهذيان والانقطاع:
من صرخة المقتول يصحو
جافلاً... معنى الوجود محرضا إنسانهْ.
إن البداية بالجار والمجرور
هنا تعني الانقطاع عن الواقع من شدة الالتحام به، فلا ندري كيف تتم بداية قصيدة
على هذا النحو، ولكنها بدأت على أية حال، ومن الجيد أنها بدأت. ناهيك عن أن البدء
بالجار والمجرور كبنية نحوية، حتى لو يكن لها معنى ملتحم، هي من أفضل ما يعبر عن
عذابات الواقع المحيط بكل ما فيه من تجاذب ونزاع وتمزق... وهكذا تلعب البنية
النحوية منذ البداية دور التشظي والتمزق والعذاب..
■■■■■■
■■■■■■
ثم اللفظة المحورية التي
تمثل عالم النص: عالم الصراخ من الأعماق في وجه الزمن: (صرخة) يضاف لذلك
(المقتول): من صرخة المقتول، وهو تركيب يعني الصراخ لحظة الموت، أو تخيل الميت
يعود إلى الحياة ليصرخ فيها بما لم يستطعه أثناء لحظاته الأخيرة، لا سيما حين نجد
بقية التعبير (يصحو جافلا معنى الوجود) بالنظر إلى الفعل (يصحو) ... والفعل (يجفل)
يعني عدة معانٍ، منها النفور والشرود والفزع، وحين يرتبط ذلك بـ (معنى الوجود)
يصبح الموت هنا خصامًا وقطيعة مع الحياة، والعكس... ثم فجأة يبرز هذا التعبير
(محرضا انسانهْ) الذي يبدو صداميًا... فما التحريض من ميت؟ ومن (إنسانه) هل هو
إنسانه الأول، أم ظله الوجودي، أم إنسانه الحي، أم بنو وطنه؟؟ إن الإنسان الطيفي
فكرة تسيطر على أجواء الحرب، حيًا أو ميتًا، وتقربنا من عالم الهذيان، وها هي تطل
برأسها منذ البداية... هكذا يمكن أن نقرأ ما خلف النص. ولكن أي تحريض، وعلى ماذا؟
لا يصرح النص بهذا، لأن الميت العائد إلى الحياة سوف يعرف دوره جيدًا، وما فرط
فيه، وما كان ينبغي أن يفعله، وعاد لكي يستدركه.
ثم ينقطع السياق وكأننا
نذهب إلى صوت آخر، حيث تتشظى البنية النحوية ولا نستطيع أن نلم شعثها، لأن الذات
لا تستطيع أن تلم شعثها، منتقلين إلى البيت الثاني:
سبحان ربيَ هل إرادته
اقتضتْ؟...
■■■■■■
■■■■■■
إن البدء بـتقديس الله
وتنزيهه (سبحان ربي) يعني بداية أن الذات الشاعرة لديها رصيد إيماني سوف تنطلق
منه... ثم يكون الافتراض الذي يعني قراءة أخرى للواقع، أو عدم القدرة على قراءته
في ضوء رؤية مضطربة وأحرف غائمة. ثم تكون القراءة:
(هل إرادته اقتضتْ؟... ثقب
المجرة بالعا أوطانهْ!) وهو افتراض علمي يشك في قدرة الواقع على الصمود أمام الفعل
البشري، هل حدث ثقب في المجرة بلع الأوطان جميعا؟ السؤال هنا بداية كبرى للهذيان،
وليس بحثًا عن الإجابة ولا نوعًا من التشكيك.
إنه افتراض يقترب من معنى
التدمير، تدمير الكون، فعل قوى أكبر من العقل على على فهمها، ثم يستمر الهذيان بما
يشبه التشبث بالعقل وبقاياه:
وتصادما في الشرق نيزك
فكرنا
بقذى التطرف قادحا نيرانهْ
هنا تبدأ الأزمة الإنسانية
من الداخل، من (نيزك فكرنا)، ثم (قذى التطرف) هذان هما طرفا المعادلة اللذان
يتصادمان، ولنا أن نُصدَم نحن أيضًا، حين نجد أن الطرفين ليسا على حق، هنا صدام
المصالح والرغبات التي تتوه فيه الحقيقة العليا، حقيقة الذات والأوطان، ما يعني
ضرورة البحث عن توجه ثالث. ومع هذا الصدام يبدأ الشرر: (قادحًا نيرانه).
■■■■■■
■■■■■■
ثم تأتي النتيجة:
--------------
فتآكل الصرح المشيد ولم
يعد... ملكوت عيسى حاميا رهبانهْ
إنها بداية الانهيار:
(فتآكل الصرح المشيد) حيث انهيار الكون، وكأننا أمام نهاية كونية تؤذن بفناء
الحياة الدنيا، وتدعونا إلى الاقتراب من القيامة، فكل حرب هي قضاء على جزء من
الدنيا بصورة وحشية وتقريب من يوم القيامة على سبيل التآكل الكوني، فما الذي تفعله
الحرب سوى الفناء، وإجهاض فكرة الحياة؟
ولعل التعبير بـ (عيسى) هنا
يشي بأن كل الأديان تخسر في الحرب، وكل الطوائف هالكة، ما لم تصل إلى معنى السلام
الإنساني والديني والعالمي. وتزاحم المفردات الروحية هنا ولو بالنفي (ملكوت- عيسى-
رهبانه) يعني التمسك بالحياة النقية السامية، ومحاولة بعثها ولو عن طريق الذكر
السالب... فالشاعر مع الإنسان قد يفعل ما تفعله الأم مع الابن حين توحي له
بالحرمان والسلب إن لم يفعل المطلوب.
ثم نقترب من المأساة:
(وطنٌ بلا وزنٍ يطير
وبالفضا....دون التجاذب فاقدا عنوانهْ).
أليست هذه مظاهر يوم
القيامة ولحظات البعث وزوال الدنيا كما ذُكرِت في القرآن.. الخلفية القرآنية هنا
تعمل بعمق، عن طريق اللاوعي... الأرض تنفك عن أصلها وتطير في الهواء، حيث يخف كل
شيء مفتقدًا وزنه، وتتمزق الأوصال الكونية، في لحظة تلاشٍ، ومن ثم يفتقد كل شيء
عنوانه. الوطن هنا ينمحي بأثر همجية الإنسان الحربي واستقواء نوازع الشر الكامنة
في الجنس البشري!!
ويستمر الهذيان المطعم بنوع
من الوعي واللاوعي:
جبريلُ يصرخ أين وحيك يا
فتى؟...والوحيُ يرحلُ تاركا أشجانهْ.
الانتقال من (عيسى) إلى
(جبريل) انتقال من الهذيان الأرضي إلى الهذيان العلوي.. ولذا لا نعلم هنا من
المخاطب في النداء (يا فتى) وما (الوحي) هنا، وما (صراخ جبريل)؟ إنه سؤال –تقريبا-
لا معنى له، يعبر عن تقاطع الأسئلة الكونية داخل الذات، وعدم قدرة الذات على تحمل
الهم الكوني واستيعاب مجريات الواقع.
ولذا لا نجد إجابة في الشطر
الثاني، بل نجد تعبيرًا غريبًا صادمًا: (والوحي يرحل تاركًا أشجانه) لعله تعبير
يعبر عن جفاف الإيمان في القلوب، واقتراب الأرض من موجات إلحاد متتالية، رغم
التستر بالدين، وإلا فأين الدين في فناء البشرية وكل الأبرياء بهذا الشكل؟! صار
الدين مجرد كلمة، بل ربما كان الملحد أكثر إيمانا إذا سالم الآخرين، وسلم الآخرون
من لسانه ويده. هذا ما يفسر كل هذا الرحيل وكل هذا الشجن من قبل الوحي، وترك الشجن
هنا هو ترك للقلوب الحساسة الذي يستقر فيها هذا الشجن الإلهي، أي المملوء بطاقة
إيمانية ضخمة تريد أن تنسرب تحت وقع الضغط الحربي والكوني المحيط.
وتتصاعد التعبيرات الصادمة
معبرة عن صدمات الذات الكبرى:
موسى تكبلَ والأفاعي في
المدى...سحر وينفث غلّه أضغانهْ
هل لنا أن نتخيل موسى
مكبلا، أو نبيًّا مكبلا؟ ومن الذي سيكبله من قومه؟ إن الرمز الثاني هنا (وهو موسى
بعد عيسى) يعني أن كل أصحاب الأديان والديانات مخطئون بدفع عجلة الحرب إلى الأمام،
وأنهم بذلك يكبلون أنبياءهم، لينتظروا مصير ذلك يوم القيامة الذي أصبح وشيكًا.
إن التعبير الصادم هنا دعوة
حادة وصادمة إلى إيقاظ الوعي الديني لدى الجميع.
وبقية الصورة سيريالية تعبر
عن عالم اللاوعي بكل تداخلاته وانفجاراته ومخزوناته ومكبوتاته، حيث تفتقد الذات
الواعية وجودها.
ثم يأتي الختام الذي لا يضع
حلولا لما سبق، بل تبلغ الذات قمة الهذيان والصحو معا:
فوضى تنبئُ أن كوكبنا
انتهى...قلبي ينادي معلنا ايمانهْ
إنها الفوضى الكونية،
وانتهاء الكون بهذه الحروب المتوالية في شتاع بقاع الأرض، لا سيما الشرق، تلك
البقعة المقدسة، وحقًا " إنها الحرب الكونية في الشرق الأوسط مهد
الأديان...عم التوحش و اقتربت نهاية العالم!".
ثم تأتي الصدمة الأخيرة،
لقد سارت التعبيرات في جو من الهذيان والصدامات المتتالية عبر النص تعبيرا عن
الاهتزاز الكوني وصدام المجرات.. وكل ذلك استيحاء لجو نهاية الكون عبر كل الكتب
المقدسة. ولقد كانت التعبيرات أحيانًا مشوبة بنوع من التشكك رغم الانطلاق من
الرصيد الإيماني بدءًا كما رأينا.. وقد بلغت قمة الهذيان في تلك الصورة الجبريلية
الصادمة.. التي نفتقد فيها المعنى بشكل كبير... وكان المتوقع أن يكون الختام-
وفقًا لمجريات التدافع الكوني في النص والاهتزاز والاضطراب- هو : (قلبي ينادي معلنا
إلحاده) ولكن الذات الشاعرة تفيق وتتمسك بالدين حلا لهذه المشاكل، بالله وكتبه
ورسالاته، الصدمة هنا هي صدمة مقصودة تعني أنه لابد من العودة إلى الدين الصحيح..
إنها صدمة مقابلة لصدمة الواقع، فالتفكك الكوني وافتقاد كل شيء وزنه، إنما ينبغي
أن يقابل بالاعتصام بحبل الله، وإعطاء كل شيء حقه ومقداره في منظومة الكون كي
تستقر الأوضاع والأشياء.
■■■■■■
■■■■■■
وهكذا إجمالاً نجد أنفسنا
أمام نص قوي، بلغ قمة الواقعية والخيالية، وعَبَر من مدى الروح، إلى مدى الوطن،
إلى مدى الإنسانية، إلى مدى الملكوت، إلى مدى الله... مستويات التدرج فاقت
التوقع... وهو يعبر عن تصادمات الواقع المدمرة، ومن ثم النص يتفجر من الداخل
كبركان لا ينتهي، ولا يكف عن التشظي.
والقصيدة على صغرها حية
متفجرة الذرات، فهي قصيدة مليئة بالصراخ الكوني، تشبه صرخة حي ينتقل إلى الموت، أو
ميت يعود إلى الحياة.
■■■■■■
■■■■■■
إن انتهاء بحر الكامل
بالتفعيلة الناقصة (متْفاعلْ) تعني تلك الانحدارة الكارثية، وتعني النقصان بعد
التمام، والهبوط المعنوي جراء ما يحدث.. كما إن انتهاء القافية بالهاء المليئة
بالصراخ والتوجع ثم بالسكون الذي يعني أن الذات بعد هذا التأوه والصراخ تتحول إلى
جثة هامدة يعني المقدرة العالية على التشكيل الفني، والقدرة على توظيف العبارة
والكلمة والحرف في بث الشاعرية في أطراف الرسالة.
■■■■■■
■■■■■■
ويبقى أن جانب الفكر يطغى
في كتابات الشاعرة ريم سليمان الخش أحيانًا على حساب الصياغة، بدوافع فكرية وذهنية
وثقافية، وهذا إن لم يتضح هنا، لكن له بعض الآثار الطفيفة، ويبقى أن ننصح بكثرة
القراءة وتكوين مخزون شعري، لاسيما من الإبداع الحديث حتى تتفجر الشاعرية على نحو
أكثر جمالا وجاذبية.
نبارك للشاعرة نصها ونأمل
أن تستفيد من النقد في تطوير موهبتها، ونهديها - وفق التقليد المتبع في الصالون:
ميدالية أمير الشعراء
■■■■■■
بقلم الشاعر السيد العيسوي
مدير صالون أمير الشعراء
أحمد شوقي- وزارة الثقافة - مصر
■■■■■■■■■
■■■■■■
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق