(جريدة الشعر
والشعراء العرب)
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
الولد والقنبلة
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
الأطلال ـ أم كلثوم
قصة الأديبة التونسية :
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
منية ميهوب
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
■■ قال أحدهم:
ــ صوت رهيب .
قال الثاني :
ــ انفجار مرعب .
ثم انسدل السكون على القرية الوديعة .أثره خرج الأهالي في تردد من
مخابئهم الأرضية.
رجل:
ــ يا ستار، يا لطيف انها قنبلة.
رجل ثاني :
ــ لقد سقطت في البحيرة .
لا.. ألم تسمع الخبر، انها تفجرت فوق دار العم أحمد .
■■ هلموا نسرع يا رجال لنتبين الأمر . ثم هرعوا الى مكان الكارثة
تتبعهم ولولة النساء و صياح الاطفال.عم الضجيج وتفاقمت الضوضاء.وفجاة ،تسمر الجميع
وكان على رؤوسهم الطير .لم يجدوا هناك لا العم احمد و لا أبناءه و لا حتى منزله بل
اكداسا من التربة من يراها يقول جبلا قد تحول للتو عن موقعه ليرسي هناك.
■■ وفي الحال تفرق الرجال حول الأنقاض وراحوا ينبشون بالايادي و
المعاول علهم ينقذون هؤلاء المنكوبين ، الذين قد دفنوا احياء. وهم كذلك إذ نفذت
الى اسماعهم اصوات اطفال يستنجدون .فصاح أحد الشبان:_ هيوا من هنا بسرعة .واندفعوا
يرفعون الأتربة بلا ياس أو ملل .ثم على الهتاف ترفقه الزغردة وقال جار العم أحمد
وقد انبسطت أساريره:
ــ ها هي سالمة وخدوجة،آه يا الله هو ذا رمزي اخوهما حي هو الآخر.عندئذ
ظهرت بنت في الثانية عشرة من عمرها تحمل ولدا ذي حولين بين ذراعيها ،ومن ورائها
بنية أخرى لم تتوقف عن البكاء والاستغاثة مرددة :
ــ امي ،ابي أنهما ما زالا هناك ،يا ربي أنهما سيهلكان. فاسرعت إليها
خالتها منجية باكية ،ضمتها بحنو و طمانتها قائلة:
ــ اهدئ يا سالمة، سيتم انقاذهما عن قريب باذن الله. مشهد يدمي القلوب
مشهد هذه الصبية وهي تذرف الدموع مدرارا.
■■ حز في نفس أحد الحاضرين فصاح ثائرا:
ــ نحن ما لنا ولهذه الحرب الملعونة، وماذا جنينا من جراء الفرنسيين
والالمان؟ و ما الإثم الذي اقترفه العم احمد حتى يحل به ما حل ؟ .
■■ فتركت كلماته وقعا بليغا على الأسماع و بانت النقمة والسخط في
القسمات و على الألسن .بعد ذلك التحق بمجموعة المنقذين الذين شرعوا ينفضون الغبار
عنهم ،وقد يئسوا من العثور على بقية الضحايا .وهموا بالمغادرة حين أشار إليهم
صاحبهم فجأة بالصمت و السكون، واخبارهم بأنه سمع منذ لحظة شبه طقطقة على مادة
فولاذية و كأنها صادرة من بئر عميق . فعادوا في الحال إلى الأركام يتفقدونها
فلاحظوا فجوة خفية ، لم يتفطنوا إليها من قبل .و ما أن حفروا قليلا حتى برز لهم
كائن ملفوف في برنس ويتحرك . جذبوه فاعتراهم الذهول !
■■ انه العم أحمد أنه لا يزال على قيد الحياة بمعجزة الاهية . انجدوه ثم
نقلته سيارة الإسعاف الفرنسية إلى المستشفى ، ليمكث فيه مدة طويلة في الرعاية
والاستشفاء .
■■ مضى الاب ووقف صغاره أمام حطام مسكنهم كالكتاكيت الذين فقدوا امهم
وتهشم عشهم . سالمة وخدوجة ورمزي اطفال لا حول لهم ولا قوة . فمن يا ترى سيحميهم
من الآن فصاعدا ؟ ومن سيعتني باكلهم وشربهم و لباسهم ؟ خاصة بعد أن قضت والدتهم
نحبها ورحلت عنهم الى الابد .جالت نظراتهم مرتبكة حائرة فصادفوا عينا ترنو إليهم
وامرأة تقترب رويدا رويدا لتهمس في اذن البنت الكبرى :- هيا يا ابنة اختي هاتي
اخوتك وهلمي معي الى بيتي حتى يفرجها ربنا .لم تكن تلك السيدة سوى خالتهم منجية
.لما تفرق الجمع عادت بالاولاد الى مسكنها لتصونهم ريثما يتعافى ابوهم .الخالة
منجية لم تنجب لا بنين ولا بنات .وهي تعيش بمفردها منذ أن استشهد زوجها في
المظاهرة التي قامت ضد الاستعمار الفرنسي في التاسع من أفريل سنة ثماني وثلاثين
وتسعمائة والف .ظروفا مكنت منجية من التفرغ لرعاية الأيتام والتفاني في تربيتهم
.ثم تداولت الأيام والشهور إلى أن تحسنت الحالة الصحية للعمم أحمد ودخل في طور
النقاهة فارتاى أن يجدد بناء منزله ويرجع فلذات كبده تحت جناحه. وكان له ما أراد.
غير أنه رجل والرجل كما نعرفه عا جز عن إدارة شؤون البيت مثلما تفعله المرأة .
لذلك نصحته أخته بالمبادرة في الزواج في أقرب فرصة.كما أشارت عليه بالزوجة
المناسبة الا وهي منجية اخت المرحومة . فكر العم احمد طويلا و تردد كثيرا لكن في
الاخير أعجبته الفكرة فقبل .ومن ساعتها صار لسالمة وخدوجة ورمزي اما ثانية . وفي
أمسية ومنجية جالسة بجانب العم احمد وهما يتسامران أمام براد الشاي ، إذ بها تطلب
منه وتلح أن يروي لها حكاية القنبلة .
■■ تاملها لحظة وكأنه يتوسل إليها كي لا تزيح الضماد عن جرح قديم مؤلم
ثم استسلم تقول :
ــ يا منجية ماذا احكي ؟ و كيف اصف ؟.انا الكبير في اخوتي كنت أسكن مع
والدي في دار العائلة التقليدية و لما تزوجت بشقيقتك أسست مسكنا جديدا . ثم حملت
امرأتي ورزقنا بطفلتنا سالمة و من بعدها خدوجة واثرها مباشرة ابننا الوحيد رمزي .
ولماحمي وطيس المناوشات القى علينا هؤلاء الاوغاد قذيفة .فاستقرت على مؤخر الدار
بينما ظل السقف مائلا تاركا فراغا بينه وبين الأرضية.فتعلق الاولاد بالشباك
الحديدي .وأما امهم وهي حامل فكانت نائمة تحت السدة وحذوها ابنتنا الأخرى الرضيعة.
ومن هول الانفجار تكسرت لوحة من السدة واصابت نحرها فماتت بالوقت هي والرضيعة
. وأما أنا فلقد انقلب فوقي البنك وردمني التراب وقيدت عن الحراك. وعندما جاءت
الاسعافات ضرب الصغار على القضبان الحديدية فاسعفوهم.ثم تنبهوا الى طرقاتي فاخرجوني
. ها اني قد حكيت لك كل التفاصيل يا زوجتي العزيزة فبالله عليك دعيني ولا تذكريني
مجددا بهذه المأساة . ثم قاما للنوم .
■■■■■■
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق